كتاب الموقع

أزمة أخلاق.. لا عقدة حكومات

الدكتورة نازك بدير | كاتبة واكاديمية لبنانية

كيف يموت الفقراء في هذا الوطن؟ مغيّبون في حياتهم وموتهم، العتمة تلفهم يرحلون أيضا في الظلام، حتى الحياة تبخل عليهم بالنور، لم يتلمسوا الدرب، يموتون في العراء، تركوا لمصير مجهول، لقوا حتفهم. يمتزج لحم الجندي مع المواطن، كلاهما دفع ثمن الفساد، والتراخي، وانعدام المحاسبة، والفوضى.
أرقام تضاف إلى قائمة الشّهداء.
ماذا تعرفون عنهم؟ أم تظنون أنهم مجرّد أعداد منسيّة؟ كلّ واحد منهم كان سفير حياة، سلبتموه فرصة العيش، أحرقتم أحلامه بجشعكم وأطماعكم، وأنكرتم عليه الحقّ في البقاء. تقدّسون الباطل، ‏وتحتكمون إلى الأهواء. ديدنكم الصّفقات.
الفقراء محكومون بالموت وهم أحياء، يموتون قهرًا وذلًّا، وهم يعاينون تحكّم الأقوياء بهم،
يتجرّعون كأس الموت في كلّ مرّة احتاجوا دخول مستشفى.
ثمّة تعارض بين من يملك فائض كرامةٍ، وبين من يجهل معناها. هذا الأخير يجهد دائما لشراء من يستطيع بمال، أو خدمة، لكنّه لا يدرك أنّه يفتقد لما يعجز عن امتلاكه. التاريخ سيخطّ إجرامكم.
ما معنى أن تحتكر الدّواء، والنّاس صرعى المرض، أن تخزّن الأدوية في المستودعات، تمنعها عن مستحقّيها منتظرًا ارتفاع الأسعار، متسلّحًا برداء التديّن، تراقب بعيون الزّجاج وهم يحتضرون بعيدًا من الرّحمة أو الرّأفة! الكلمة الفصل للمال مهما كان الثّمن، ولو تسبّب ذلك بإزهاق الأرواح، هؤلاء انعدمت إنسانيّتهم، وبات الجشع ديدنهم.
في بلاد تُحترَم فيها إنسانيّة الإنسان، الاستشفاء حقّ أساس من حقوق المواطن، الطبابة مجانيّة، لا مساومة على الأرواح. أمام الوجع تسقط الهالات.
أمّا نحن، في بلاد العالم (العاشر) صار {البنادول} من الكماليات، وتتحوّل رحلة البحث عن أيّ دواء إلى متاهة.
على الرّغم من تفجّر الأزمات على الصّعد كافّة، واستفحال أخطارها ولا سيّما على ذوي الدّخل المحدود، يبدو أنّ عقدة الحكومة لا تزال تراوح مكانها، وما من فجر قريب
لبزوغها.
ثمّة مفتاح مفقود في مسبار الحلّ. وعليه، يظهر أنّ المشكلات الإداريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة إلى المزيد من التسرطن على امتداد رقعة الوطن، ضحيّتها الأولى والأخيرة
الفقير.
في خضمّ ما يحصل، لعلّ الخطر الحقيقي الذي يهدّد المجتمع هو الأزمة الأخلاقيّة؛ يُعدّ فساد الأخلاق العلّة الأساسيّة القادرة على هدْم أركان الدّول مهما بلغ شأوها، كيف إن كانت على شفير الهاوية!
الناس في وطني ينامون على أمل موتٍ أفضل،
موت بلا ذلّ على باب طوارئ المستشفيات،
موت بلا ذلّ برصاصة طائشة إثر إشكال على محطة وقود،
موت بلا ذلّ وأنت تنتظر لتشتري الرّغيف…
نحلم بموت أفضل، لا بوطن أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى