فاطمة شكر | كاتبة واعلامية
بعد مرور عامين تقريباً على الإنهيار الإقتصادي والتدهور الكبير سياسياً وإقتصادياً واجتماعياً وفي مختلف إدارات و مؤسسات الدولة اللبنانية وبوتيرةٍ متسارعة، لا زالت الولايات المتحدة الأميركية وبعضُ حلفائها من الدول العربية الخليجية، إضافةً الى أدواتها في الداخل اللبناني يصرون على المضي قدماً في تضييق الخناق على لبنان واللبنانيين من أجل الضغط على حزب الله (العدو اللدود ) لهم، واتهامه بأنه السبب الرئيسي وراء ما يحصلُ من انهيارٍ إقتصادي ومعيشي، إضافة الى إصرار بعض القوى على استبعاد الحزب من اللعبة السياسية وظهور خللٍ في شكل وهيكل الدولة تمثل ذلك من خلال عدم قدرة توافق القوى السياسية على تشكيل حكومةٍ إنقاذية يطالبُ بها المجتمعُ الدولي يومياً ويُصرُ على البدء بالإصلاحات من أجل إنقاذ لبنان وإلا العقوبات.
شرارة البداية كانت في تشرين عام 2019 مع إنطلاق الثورة في لبنان يومها تركزت كل الشعارات على اتهام الحزب بالإنهيار الإقتصادي، إضافةً الى التقصد في إطلاق وتوجيه السباب والشتائم الى الأمين العام السيد حسن نصر الله ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يومها قرر الثنائي الشيعي عدم الإنجرار وراء ما يجري لإعتبارات عديدة أبرزها عدمُ تحقيق ما تريده أميركا، ناهيك عن وصولِ معلوماتٍ للحزب تؤكد أن للسفارة الأميركية ولدولةٍ خليجية عربية اليدُ الطولى فيما يجري من تكسيرٍ وفوضى وأعمال شغب من أجل انزلاق الوطن نحو حربٍ طائفية حقيقية، يومها أدرك الحزب أن كل ما يجري من دمار وإطلاق شعارات طائفية وتوجيه اتهامات وتكسير ممتلكاتٍ عامة وتسكير طرقات مدفوع الثمن ومغطى من أميركا وحلفائها من دول الخليج و البعض في الداخل اللبناني .
وحتى يكتمل مشهدُ الدراما الذي قامت به هذه السفارات، حرّكت بعض القنوات والمحطات التلفزيونية ودفعت لها وما زالت، من أجل فبركة الأخبار التي تتهم الحزب بكل ما يجري من انهيار، ناهيك عن اتهامه بإنفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي داعياً أنه يخزن صواريخ له هناك مما أدى الى هذا الإنفجار الضخم .
وعلى عكس كل التوقعات، ها هي قدرة الحزب الإقتصادية تتنامى كل يوم وتقوى من جهة وتتعاظمُ قدرته العسكرية من جهةٍ أخرى، على حدّ قول مصادر في 8 آذار، في حين أن حلفاء أميركا في الداخل تهاوت حالتهم الإقتصادية بسرعةٍ كبيرة. و في مؤتمر معهد الشرق الأوسط حول لبنان اتفق كل الباحثون على أن قدرة حزب الله الإقتصادية لم تتأثر، وأن العقوبات التي فرضت على شخصيات لبنانية بالإضافة الى العقوبات التي فرضتها أميركا على دول محور المقاومة لن تثمر، وما إذا كان كل هذا سيؤدي الى أن يكون لبنان دولةً فاشلة ومنهارة وعاجزة بشكل كامل، فيما يراهن البعض الآخر على تغيير موازين القوى والاصطفافات الجديدة التي ستتشكل من خلال الإنتخابات النيابية القادمة في ربيع 2022 والتي بدأت تطالب بها بعض القوى السياسية بشكل مستمر وتقفُ وراء هذه الكتل السياسية السفيرة الأميركية التي تدعم هذا القرار.
لكن واشنطن تعلمُ، تضيف المصادر، أن حزب الله لا يزال صامدًا أمام ما يجري من أزمات، وهو ذهب لتعزيز قوته الإقتصادية ودعم كل اللبنانيين من أجل تمرير هذه المرحلة الصعبة، وتوجه الى بيئته التي لم ولن تنقلب عليه على الرغم من كل الضغوطات ومن كل الحصار، فهو قوي وقادر على النهوض في الداخل ومواجهة الحاقدين الذين يصرون على مواجهته واتهامه بمزيدٍ من الوعي و الحكمة والصبر، وهو مستعدٌ لخوض حرب طاحنةً مع «اسرائيل» التي تدعمها الولايات المتحدة بكل ما أوتيت من قوة عسكرية وفي كافة المجالات، لذا أصبح واضحاً لدى أميركا، أن إخضاع الحزب ليس سهلاً، وأنها لن تستطيع كسره بسهولة وأن كل المغامرات والأموال التي تدفعها ودفعتها راحت هباءً منثورًا وكل المحاولات والتواطؤ الداخلي والخارجي لم يؤدِ الى أي نتيجة لا بل زاد من إصرار الحزب على مواقفه وقراراته.
واكدت المصادر ان أميركا التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة الى ضرب الحزب من أجل تحقيق مصالحها ومصالح صديقتها «إسرائيل» ستستغلُ كل شيء من أجل ذلك، هي قررت منذ العام 2006 أن تنهي الحزب الذي هزم الجيش الذي لا يهزم، ولعل ما يجري اليوم من انهيارٍ كبيرٍ ما هو إلا تنفيذ لسياستها الإستعمارية من أجل السيطرة على لبنان واللبنانيين، كما أن منظمات المجتمع المدني (NGO) التي زرعتها بغية تقديم المساعدات المالية، ما هي إلا ذراعا سياسياً واقتصادياً لواشنطن في الداخل، وهي وُجدت في المساعدات الخارجية سبيلاً لتحقيق أهدافها التوسعية في لبنان، وعملت بشكل دقيق على شراء حلفاء لها داخلياً من خلال مساعدتهم المالية في ظل هذا الإنهيار الكبير.
أمام هذا الإنهيار الكبير ما على اللبنانيين إلا رص الصفوف من أجل المواجهة المقبلة التي ستكون قاسية، وما الحرب الإقتصادية التي يواجهها لبنان بسبب الفساد المستشري فيه والذي كان تطبيقاً لمخططات أميركا من خلال حلفائها الذين زرعتهم في مراكز الحكم والدولة والإدارات، إلا تأكيدٌ صريحٌ على عزم الإدارة الاميركية على ضرب لبنان كلياً كي «يركع».