أردوغان والحرب الإيرانية الأذرية – اللعبة الفاشلة
حيّان نيّوف | كاتب وباحث سوري
مع هبوط الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد بلغ 9.75 مقابل الدولار ، وسقوط الاخوان المسلمين “حلفاء اردوغان” على امتداد الساحات في المنطقة ، وما يعنيه ذلك من تقلص النفوذ التركي . يحاول أردوغان الهروب إلى الأمام عبر تصدير ازماته مرة جديدة إلى الخارج ..
وفي الوقت الذي بدا واضحا عليه القلق والتخبط في آنٕ معاً ، من خلال تصريحاته العدائية غير المسؤولة ، والتي طالت الجميع دون استثناء ، غربا وشرقا ، في محاولة منه لجرّ أحد الأطراف الخارجية للتفاوض معه حول إحدى القضايا الاقليمية او الدولية ظناً منه ان ذلك سيكون كفيلا في فتح أحد الأبواب المناسبة له للخروج من المأزق الإقتصادي والسياسي الذي حشر نفسه وبلاده به ، تبدو كافة الاطراف على المستوى الإقليمي والدولي في حالة تجاهل مقصود له ..
هذا الأمر دفع باردوغان إلى محاولة العودة إلى الساحة الدولية وتقديم نفسه كلاعب لا يمكن تجاهله أو الإستغناء عنه ، وهذه المرة عبر إزكاء نار الفتنة بين إيران واذربيجان في محاولة منه لإشعال حرب بين البلدين الجارين ..
ولقد بدا ذلك واضحا من خلال التصريح التحريضي لأردوغان بالامس حيث قال ” إن إيران لا تستطيع مهاجمة أذربيجان بسبب ارتباط الاخيرة بعلاقات قوية مع اسرائيل” وملمحا إلى التنوع العرقي داخل المجتمع الإيراني ، يظنّ أنه بذلك يلعب على العقل الباطن لصاحب القرار الإيراني ويدفعه بذلك إلى الحماسة لمهاجمة أذربيجان ..الغباء الأر.دوغاني بلغ حدّ البلاهة السياسية ، وأحلام الصبية ..
يعتقد أردوغان أن توريط إيران بحرب مفتوحة مع اذربيجان سيشكل ورقة النجاة المتبقية له ، ذلك أن الحرب الإيرانية الأذرية إن حدثت ( ولن تحدث ) فإنها ستحقق له العديد من المكاسب ومنها :
1- ستحوّل أردوغان إلى اللاعب الأساسي في منطقة القوقاز ، بعد ان فشلت كل محاولاته السابقة منذ الحرب الأرمنية الأذرية لتحقيق ما يصبو إليه ..
2- ستكون الحرب سبباً لعودة الحيوية لعلاقاته مع كل من روسيا والولايات المتحدة والإتحاد الاوروبي وحتى الصين ..
3- سيكون اردوغان جاهزا لفتح باب المقايضات وبيع المواقف مع الجميع ، انطلاقا من دوره في الحرب إن وقعت ..
4- ستشكل الحرب فرصة لأردوغان لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب اذربيجان ، وخاصة المكاسب المالية والاقتصادية التي سيحصل عليها من اذربيجان مقابل دعمها عسكريا .
5- ستشكل الحرب ايضا فرصه له لإعادة بناء علاقاته من اسرائيل التي ستندفع للعمل معه ومع اذربيجان ضد إيران ، حيث يرى اردوغان أن اسرائيل هي المنقذ الوحيد له والذي سيعيد منحه تذكرة العبور الدولية وخاصة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وربما دول التطبيع العربية .
6- يعتقد اردوغان أن هذه الحرب ستشكل فرصة له أيضا لفتح باب المساومات مع كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة فيما يخص الملف السوري برمته .
7- يرى أردوغان ايضا ان الحرب ستكون مناسبة مهمة له للمقايضة فيما يخص شرق المتوسط والعلاقة المتوترة مع اليونان التي رسمت تحالفاتها هناك على حسابه .
8- في الملف الليبي كذلك يسعى اردوغان إلى قلب المعادلة هناك بما يضمن له إبقاء قواته ومرتزقته بعد أن اتفق الجميع على إخراجه ، حيث يرى اردوغان ان الحرب على إيران ستدفع الغرب لمقايضته هناك .
9- ستقدم الحرب فرصة لاردوغان للهروب من مازقه الإقتصادي الخانق عبر حرف انظار الشعب التركي عن الحالة الإقتصادية التي أوصله إليها ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عبر إعادة انعاش هذا الاقتصاد من خلال التدفقات المالية التي سيحصل عليها من اذربيجان وغيرها .
10 – وأخيرا وليس آخرا ، سيجد أردوغان في تلك الحرب رافعة له لإعادة تعويم نفسه داخليا ودوليا .
بالمحصلة ، فأيران الدولة العظمى الصاعدة ، الضاربة جذورها بالتاريخ ، تدرك جيدا خلفيات التصريحات السخيفة لأردوغان ، ولديها من البراغماتية ما يكفي للتعاطي مع هذه اللعبة الأردوغانية ، كما انها تمتلك من الادوات ما يجعلها تدفن أحلام اردوغان في مهدها .. أردوغان الذي سيزور اذربيجان قريبا ، سيقوم بلا شك بالنفخ في نار الفتنة ما امكن ، و سنشاهده يرعد ويزبد ويعلو صراخه من باكو ضد إيران ، وسيحمل خطابه هناك الكثير من التحريض والكلام العنصري ..وسيوّجه رسائله بكل الاتجاهات عسى تلقى آذانا صاغية في تل ابيب وواشنطن ، ولسان حاله يقول للغرب ” أنا تلميذكم النجيب وعميلكم الاول وما زالت صالحا للخدمة” .. وبالمقابل فإن إيران التي صبرت كثيرا على أردوغان بحكم الحصار الإقتصادي الذي كانت تعاني منه طوال سنوات ، لن تجد حرجا اليوم في اتخاذ مواقف اكثر حدة تجاهه بعد أن نجحت في تطويع الموقف الغربي ، وحققت النجاح اللافت على مستوى العلاقة مع الصين وروسيا وصولا إلى انضمامها الى منظمة شنغهاي ، وكلام امين المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني “علي شمخاني” كان واضحا في رده على اردوغان ومشككا بقوته وإسلامه الذي يدعيه وزعامته التي يتغنى بها ، ومذكرا إياه بحساسية التنوع الذي تحتضنه الدولة التركية ..