أجيال جديدة من الحروب الصناعية… دفع السوريين أنفسهم كي (يتهاوشوا) على الصيدة… اعلام يوم القيامة
نارام سرجون | كاتب سوري
أعترف ان الخصم الاميريكي نجح في استدراج بعضنا الى حيث يريد .. وربما جر بعضنا الى حرب اهلية صناعية مرتين رغم اننا لانزال ننكر اننا خضنا حربا اهلية .. مع ان شروط الحرب الاهلية التقليدية ليست متوافرة الا ان ماحدث ويحدث كان نوعا من الاجيال الجديدة من الحروب الاهلية .. فكل مانخوضه هو حروب جديدة واجيال جديدة وسلالات جديدة من الحروب لم نختبرها جيدا .. فالربيع العربي والثورات الملونة هي نوع من الحروب الاهلية (المسبقة الصنع) لانها تخاض بقوى محلية او متشابهة ولكنها مهندسة ومصممة مثلما تصمم عمليات نسف المباني القديمة وتوزع المتفجرات بحيث تحدث الاثر اللازم للانهيار بدقة متناهية وحسابات صحيحة ..
فالربيع العربي قتال عنيف نشأ بين قوى عربية احد اطرافها (الاسلاميون) واحد اطرافها (القوى المدنية الوطنية) التي لاتريد النهج الديني حكما .. ولكن القتال كان في النهاية بين اهل الدين الواحد .. وفي البيت الواحد .. وكعادة الحروب الاهلية فان الصراع يتفرع ويتكاثر وينجب صراعات اضافية تنشأ من حالة اللاتوازن التي تفرزها الحرب .. كما حدث في الحرب الاهلية اللبنانية حيث انتقل الصراع من قوى لبنانية وفلسطينية الى قوى دينية ومذهبية وفوق وتحت مذهبية .. فخرج مثلا مسلمون ضد مسيحيين .. ومسيحيون ضد مسيحيين .. ومسلمون ضد مسلمين .. وعلمانيون ضد علمانيين .. ولاعلمانيون ضد لاعلمانيين .. وفي النهاية فان من كان يموت هو من كان يقتل بنفس الوقت .. ودم الضحية هو نفسه دم القاتل ..
بن جاسم: لا ثأر مع الأسد و”تهاوشنا” على سوريا بتفويض سعودي | الميادين
قال لنا الامريكان: بعد مافلتت الصيدة خلوا السوريين انفسهم يتهاوشون على الصيدة
وفي الحرب السورية رغم ان الخصم حاول جهده ان يثير العنف الطائفي المتوحش فان الحرب انتهت بهزيمة منكرة للحرب الطائفية التي تمت هندستها بدقة في المخابر النفسية والاعلامية .. فانتقل الخصم اليوم الى تصميم حرب اهلية جديدة وهي حرب الطبقات .. حرب الفقراء والاغنياء ومابينهما الفساد والفشل الحكومي ..
وبتنا كمجتمعات ننقل من مختبر الى مختبر كالارانب والجرذان .. فمن حرب اهلية دينية الى حرب اهلية ايديولوجية وقودها الصراع بين الفقراء والاغنياء .. عبر رفع الفارق السريع بين الطبقات التي كانت تتقاتل من اجل الله فصارت تتقاتل من اجل المال والثروة والعدالة .. وبطل المرحلة هو الدولار والخبز والكهرباء ..
وهذا الامر صار واضحا في المعاناة الاقتصادية التي قسمت المجتمع بشكل مدروس بسبب تقنين الموارد وتحكم الدولار بالثروات .. وانجر الكثيرون الى فخ الانخراط في النقاش اليومي عن الفقر والمعاناة والفوارق الطبقية وانفصال الدولة عن المواطن .. أي اننا انتقلنا من مرحلة الحروب الدينية والنقاش المذهبي العقيم الى مرحلة الحرب الاهلية الاسبانية بين الاشتراكيين والوطنيين !! .. والصراع يحب ان ينقل الى مابين الموالين انفسهم بذريعة العدالة والمساواة والفوارق الطبقية الحادة التي يتم النفخ فيها بشدة وتضخيمها وسط غياب غريب للاعلام الحكومي السوري الذي اصيب بالصدمة الاقتصادية القيصرية بنفس طريقة الصدمة التي تلقاها عندما فوجئ بشعارات (الشعب يريد اسقاط النظام) وأظافر اطفال درعا .. حيث اصيب يومها بالشلل عندما سمع عن شهود العيان لأول مرة دون سابق انذار كأنهم مخلوقات فضائية .. وعرف تصوير التنسيقيات وكأنه يرى صور الهبوط على المريخ لأول مرة ..
كل النقاش الذي يتم ضخه اليوم هو عن الفقر والطوابير والطبقات والفساد .. وهذا النقاش اضعف الانتماء الوطني .. وصار النقاش عن الوطن رهينة بسعر الدولار والاسعار وصار الكلام عن الوطن ممجوجا .. فقد تراجع الوطن امام مال الوطن الذي يتجاذبه الناس مع حثالة من الفاسدين .. وصار الوطنيون يتهاوشون على الصيدة .. أي على الوطن وثروة الوطن .. رغم ان مابقي من الصيدة هو شيئ قليل .. اي ان الثروة التي أبقيت بأيدي الوطنيين صارت تتهاوش عليها قوى المجتمع وتعضها وكل يجر الوطن الى جهته .. والويل ثم الويل لمن ينادي الا بشعارات الجوع والفساد ..
الاميريكي يراقب مايحدث ويتابع بدقة متناهية .. كل شيء يدخل غرف التحليل والعمليات .. والاميريكي يصر على ان يستمر الحصار وسرقة الموارد وافقار الناس وضخ الغضب وتصنيع اليأس .. وهو يصر على حالة اللاحرب وعلى المفاوضات اللانهائية في كل القضايا وتسريب اخبار متضاربة عن انسحابات مقبلة .. فاليوم سينسحب وغدا يغير رأيه ثم يعيد التلويح بالانسحاب ثم يغير رأيه .. والملف النووي الايراني الذي تفاءل البعض انه سيحل كثيرا من مشاكل المنطقة وسيتم توقيعه في الاسبوعين الاولين من حكم بايدن لايزال يتريث وينتظر ولن يتقدم .. وكل مرة الحجة والذريعة مختلفة .. انه فن التفاوض العقيم .. حيث الاتفاق على 99% من النقاط وانتظار ال 1% التي لاتصل ..
والاميريكي يفاوضنا الان على كل الملفات – وان بشكل غير مباشر – بنفس تكتيك مفاوضات كامب ديفيد التي اقتنع السادات ان 99% قد تحقق بوعود هنري كيسنجر .. وكان يحلب في المفاوضات وهو يسلم كل اوراقه بسرعة لأنه كان يحس في كل مرة ان 1% الباقية ستصل مع كل تنازل .. فيعود الاسرائيليون الى نقطة الصفر .. مما يزيده توترا لأنه سيبدو خاسرا امام العرب الرافضين اذا لم يحصل على ماوعد به .. فيقدم مزيدا من الاوراق حتى انه أخذ سيناء التي لاتشبه سيناء التي أخذتها اسرائيل .. لاشيء فيها تغير سوى انه صار يدير البلديات .. ولكن الحدود والملاحة والسيادة العسكرية كلها من اختصاص اميريكا وفوق هذا فان الاستقلال السياسي والاقتصادي المصري صار بيد الاميريكيين .. لدرجة ان تافها مثل اردوغان كان يريد الاستيلاء على مصر من استانبول ثم من طرابلس ولم يسمح للحكومة المصرية بتجاوز خط الجفرة لردعه ومحقه ..
ونفس التجربة اعيدت في مفاوضات السلام السوري الاسرائيلي .. الخلاف على المتر الاخير لسنوات .. ومثلها مفاوضات السلام الفلسطيني الاسرائيلي .. ومفاوضات انهاء حرب اليمن .. ومفاوضات انهاء الحرب في ليبيا .. ومفاوضات تشكيل الحكومات اللبنانية .. ومحكمة الحريري .. ومفاوضات الانسحاب الاميريكي من العراق التي تتلون وتغير الوان البزات العسكرية للجنود الامريكيين وتسميه انسحابا من قوات محاربة الى قوات من السياح !! لأن لون البزات تغير!! .. وهكذا ..
الاميريكون اختاروا بشكل واضح السكون المطلق .. لاحرب ولا سلم .. بل تطوير الهجوم من ربيع عربي الى ربيع طبقي .. وتغيير خطاب المعارضة الى خطاب بعيد عن الطائفية ونقله الى خطاب الوعظ والابوية والفجائعية على كل السوريين .. اي تحويل الذئاب الى حملان ..
اتمنى ان ننتبه جدا جدا جدا .. هذه أخطر مرحلة في الحرب .. لأنها دهاء مغمس بمعاناتنا ووجعنا جميعا .. ولاشك ان وزارة الاعلام السورية التي أخذت على حين غرة في هذا النوع من الهجوم لاتزال فاغرة الفم وتدير المعركة وكأنها عام 2011 .. عارية أمام أسنان الجزيرة ومخالبها .. أو كأنها في يوم القيامة ..
ايها السوريون .. أنتم اليوم تتلقون دعوة امريكية للتهاوش على الصيدة .. والتهاوش على بعضكم .. والدعوة الاميريكة سخية .. فالدعوة عامة .. فهل ستلبون الدعوة؟؟
.