عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب .
وَعَد أبو خالد الضيف ووفى بوعده ، حدّد الساعة السادسة من مساء يوم العاشر من أيار / مايو موعداً لقصف اهدافٍ في القدس اذا لم تستجب سلطة كيان العدو لطلبات المقاومة بفك الحصار عن الأقصى .
كابر الصهاينة كعادتهم فسقطت الصواريخ فوق رؤوسهم في الموعد المحدّد لسقوطها وفي الأماكن المقرّرة من غرفة العمليات المشتركة .
مشهدية غير مسبوقة تؤكد المؤكد حول حتمية زوال كيان المغتصبين ، هؤلاء الأوغاد الذين تشتت شملهم وذهبت هيبتهم في الكنيست وفي الشوارع وكل مكان .
أمّا وأنّ المواجهة باتت مفتوحة على كل الإحتمالات ، يبقى ان المايسترو الذي يتحكم بايقاعها هذه المرّة غرفة عمليات مشتركة موحدّة لفصائل المقاومة ، ضبطت ايقاعها على آذان الأقصى وصيحات المعتكفين في باحاته ، وصليات صواريخها تلاقي قبضات شباب باب العامود ونبض المجاهدين في حي الشيخ جراح .
وقد يسأل البعض ماذا تنفع الوجدانيات بمواجهة التوحش وتقطيع أهلنا لأشلاء ؟
وانا احيل تساؤلكم الى أهل الأقصى المرابطين في ساحاته وبواباته وحي الشيخ جراح حيث تكتب جراحاتهم ودمهم تاريخاً جديداً ، وتتحدى بسماتهم سلاسل الغزاة ، الى المنتفضين في حيفا ويافا واللد وفي كل حي وبلدة من فلسطين كل فلسطين الذين يواجهون بالحناجر والأيدي والصدور العارية ، فالجواب عندهم وحدهم ، هؤلاء الذين احرجونا جميعاً ، عمالقة احرار فيما لا يزال البعض منّاً محاصراً بترف الفذلكة واللت والعجن على صفحات التواصل الاجتماعي .
اما لماذا اخترت لهذا المقال عنوان : ” آن أوان رحيلكم أيها الغزاة .. صواريخ غزة تُسقط مركبات النار ” .
فلأن التحولات والمتغيرات في فلسطين والمنطقة باتت في تراكماتها وفاعليتها متناسبة تماماً مع حتمية زوال الكيان ورحيل الغزاة الى البلدان التي جاؤوا منها ، والإجابة على هذه الفرضية ليست بالشعر ولا بالهتافات بل بالوقائع والشواهد والأدلّة .
في الجانب السياسي :
لا نبالغ اذا قلنا ان ما يفعله شباب وشابات حي الجراح قد اسقطت صفقة القرن ، فبرحيل ترامب ودخول نتنياهو في المتاهة ولا يبدو ان ادارة بايدن ولا عرب الردّة والتطبيع قادرين على ان يستمروا كرافعة لصفقة ادخلها الشباب الأعزل في دائرة زلزال الصحوة والهبّة والزمت جيش العدو من القدس الى غزّة ان يتسمّر بمواجهتهم عاجزاً امام بطولاتهم وصمودهم وبأسهم .
غير ذلك باتت المنطقة كلها كما فلسطين خاضعة لعامل الإنقسام سواء في البعد المرتبط بالأنظمة الحاكمة او حتى على مستوى الشعوب ، وبات هذا العامل اكثر حسماً للتموضعات فلم يعد هناك مناطق رمادية ولا مواقف زئبقية فالذين اختاروا المقاومة اسلوباً ومساراً واضحون ، والذين اختاروا التطبيع والعمالة اكثر وضوحاً ، وهذا امر شديد الأهمية بما يرتبط بتقدير الموقف الذي بات سهلاً لا يحتاج الى التحليل ولا الى التخمين وهو ما يعجّل في اتخاذا القرارات التي باتت اكثر وضوحاً وحزماً وسرعة وفاعلية .
العامل الثاني الذي يتحكم بالمنطقة وفلسطين في قلبها هو انتقال قوّة الردع الى محور المقاومة من اليمن الى فلسطين وما بينهما العراق وسورية ولبنان ، وهو عامل لا يحتاج الى الكثير من الشرح للمراحل التي مرّت بها التحولات بل يكفي الإشارة الى نتائج هذه التحولات حيث يُبدي السعودي ومعه كل امارات الخليج الكثير من المرونة تجاه سورية بنتيجة فشل الهجمة على اليمن وعلى سورية والعراق ولبنان وفلسطين وايضاً اصطدام السعوديين بالمستوى العالي من الصلابة الذي ابدته وتبديه الجمهورية الإسلامية في ايران بمواجهة الصلف الأميركي الذي يبدو انه يتراجع تدريجياً وهو الأمر المقروء لدى السعودي والتركي بشكل أساسي .
التحول الكبير في المشهد الآن في فلسطين ، فملاقاة صواريخ غزة لصمود وبطولات المقدسيين والمقدسيات يرسم معادلة من نوع جديد تبشّر بالقادم الذي تحكمه معادلة الرعب المزدوج المتمثل بقبضات المنتفضين وصواريخ المجاهدين حيث المزيد من ارهاصات الإنتفاضة في الضفة الغربية والتحركات المميزة لأهلنا في ما يسمّى باراضي ال 48 .
يبقى ان ما يحصل لا يمكن ادراجه الا بمسمّى الهبّة التي لم ترقَ بعد الى مستوى الإنتفاضة التي تحتاج قيادة منظمّة متناغمة ومتماهية تعمل على تأمين عوامل الصمود ، فليس هناك عاقل يمكن ان يتصوّر استمرار الهبّة كما هي الآن لأسابيع وشهور طويلة اذا لم يتم تحصين الفلسطينيين بالإمكانيات التي تمكّنهم من الصمود لفترة طويلة وهو ما يُدخلنا في مرحلة عضّ الأصابع ، فالعدو الذي يملك الكثير من الإمكانيات يمكنه ان يناور بشكل اكبر مدعوماً من اميركا والغرب وعرب التطبيع ، لهذا تبدو الحاجة الآن اكثر ان تنشأ قيادة واضحة متناغمة تتجاوز كل الخلافات وتركز على إيجاد خطة لا بل خطط لكل مرحلة .
العدو الآن رغم ظهور عوامل ضعفه ووهنه يراهن على ملل الفلسطينيين وعدم قدرتهم على الإستمرار في الوتيرة نفسها وهو لهذا يحشد كل ما يلزم في الجوانب المختلفة لإدراكه ان المعركة القادمة هي معركة عض أصابع .
في الجانب العسكري :
أظهرت هذه المواجهة الجرأة الكبيرة التي ابدتها وستبديها الفصائل العسكرية في الاستخدام التدريجي للوسائط القتالية التي يبدو انها تتطور وتتنامى يوماً بعد يوم إضافة الى النضج الواضح في تقدير الموقف واتخاذ القرارات الملائمة البعيدة عن التسرع وحرق المراحل وهو ما يعني ان الفصائل دخلت في مرحلة اكثر عملانية في إدارة المعركة الحالية التي تأخذ بعين الإعتبار موازين القوى والخطوط الحمر التي لا تزال قائمة ومؤثرة .
على المستوى الميداني يبدو واضحاً ان قواعد الإشتباك تعمل حتى اللحظة لمصلحة الفلسطينيين المدركين مكامن قوتهم وضعفهم والذين يديرون مواردهم البشرية والقتالية بما يتناسب مع الموقف ، وهم نجحوا حتى اللحظة في إجبار العدو على تقييد سقف الرد وهو تقدم كبير يُحسب للفلسطينيين ويُحسب على العدو .
الردود المتناسبة في هذه الجولة هي سيدة الموقف فلا ” الإسرائيلي ” يتجرأ على الذهاب ابعد ، ولا المقاومة تريد للمواجهة ان تتوسع في انتظار رسم قواعد اشتباك للمرحلة الحالية ممّا لا شك فيه انها ستكون لمصلحة الفلسطينيين والعدو سيوافق عليها مُكرها حتى لو شهدنا تصعيداً يتجاوز الوتيرة الحالية للإشتباك .
في كل الأحوال لا يختلف اثنان ان العدو مربك وان قبّته الحديدية لا تعمل بما يتناسب مع حجم التهديد الذي تفرضه صواريخ المقاومة ، فيكفي حالياً مشاهد الهلع في الكنيست والشوارع وبين المستوطنين بانتظار القادم .
ختاماً : الثابت ان مناورة ” مركبات النار ” مجمّدة والعدو ” مضبوع ” من صواريخ غزّة وصيحات الشيخ جراح ومن مآذن الأقصى ، لكن يبقى خوفه الأكبر من تهديد السيد نصرالله له في كلمته الأخيرة التي رسمت بالنار حدود حركة العدو الذي دخل مرحلة مختلفة من إمكانية استمرار وجوده ككيان ولو لسنوات قليلة وهو ما يعبّر عنه كمخاوف وهواجس عشرات الدراسات ومئات التصاريح الصهيونية التي تعلم علم اليقين ان الزمن لا يعمل لمصلحة بقاء الكيان ، فهل يشهد جيلنا الزوال ؟ على الأرجح نعم فقد آن أوان رحيل الغزاة .