آلية الكشف على الأبنية المتصدعة في لبنان

فاطمة سلامة | موقع العهد الإخباري

أثارت مسألة الزلازل والهزات الأرضية القلق بشأن الأبنية المتصدعة في لبنان. ثمّة أبنية كثيرة غير مؤهّلة للسكن في الأيام العادية، فما بالنا أثناء الحوادث الاستثنائية؟!. سكان هذه المباني يعيشون قلقًا وربما رعبًا من أي هزّة قوية تُسقط السقوف أرضًا ما يعرّض حياتهم للخطر. وللعلم، فإنّها ليست المرّة الأولى التي يُفتح فيها ملف الأبنية المخالفة للسلامة العامة. كل فترة وفي إثر أي حادثة ــ كحادثة انهيار سقف مدرسة في طرابلس وقبله انهيار مبنى فسوح عام 2013 ــ يجري الحديث عن خطورة هذه المباني وضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها، ليُطوى الملف لاحقًا دون أي تدابير وكأنّ شيئًا لم يكن. 

ورغم كل ما يُحكى عن الأبنية المتصدعة التي تُعد بمثابة قنبلة موقوتة تفتقد الجهات الرسمية في لبنان لأيّ أرقام أو قاعدة بيانات تحصر أعداد هذه المباني وأماكنها. ثمّة إحصاء أنجزته قبل سنوات جمعية “شبكة سلامة المباني” التي سبق للدولة أن أصدرت تعميمًا للبلديات للتعاون معها عقب انهيار مبنى فسوح. وبحسب الإحصاء وبناءً على نتائج استبيان عمر الأبنية تبيّن أنّه يوجد نحو 16,250 مبنى يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 40 عامًا موزّعة على مختلف الأراضي اللّبنانيّة. الحصة الأكبر في بيروت الكبرى اذ يوجد 10,460. في مدن طرابلس وصيدا وزحلة يوجد 4000 مبنى، وفي برج حمود والشياح 600. أما قرى جبل لبنان 640 مبنى، وفي قرى محافظتَي البقاع والجنوب 460 وقرى محافظة الشّمال 300.

وعلى قاعدة “أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا”، تحرّك المعنيون في لبنان وللمرة الأولى بشكل جدي -اذا صح التعبير- في هذا الملف. حادثة الزلزال المدمّر والهزات الأرضية المتتالية جعلت مسألة المباني المتصدّعة أولوية، فكان القرار الحكومي قبل أيام بتكليف وزير الداخلية بالتواصل مع البلديات لمسح الأبنية المتصدعة وتلك الآيلة للسقوط واتخاذ القرار المناسب بشأنها. فما الآلية المتبعة؟ وما الذي أنجز على الأرض؟ من سيتحمّل التكلفة؟ وكم من المتوقّع أن تستغرق المسألة وقتًا؟.

لا شك أنّ أسئلة كثيرة تُطرح في ملف لا يُخفى أنّه “كبير” في وطن يتخبّط بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة. المعنيون مباشرة بالملف لا يُخفون وجود ثغرات وتحديات خاصة أننا ننجز ملفًا على مستوى الوطن. ملف كان يجب أن يُنجز منذ زمن لا أن ننتظر الكارثة لنعمل تحت الصدمة. لكنّ المعنيين ورغم الثقل المادي الذي يرخيه هذا الملف يؤكّدون أنه يجب أن يكون أولوية على ما عداه من أولويات لأنه يتصل بأرواح وحياة الناس التي يجب أن تكون محمية بعيدًا عن المماطلة والتسويف.

خير: الحكومة من المرجّح أن تقر 30 مليون دولار الأسبوع القادم 

الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير يلفت في حديث لموقع “العهد” الإخباري الى أنّ البلديات تجري حاليًا مسحًا مستعينة بخبراء من نقابتي المهندسين في طرابس وبيروت. وبالنتيجة، يحدّد المهندس الإنشائي أو المدني المباني التي يجب هدمها أو ترميمها. وفيما يشير الى أن همنا الإنسان والحفاظ على الناس، يوضح خير أنّ أي بناء مخالف ومبني بطريقة عشوائية لا يمكن ترميمه.

وبعد انتهاء البلديات من الكشف، يلفت خير الى أن نتائج الكشوفات تُرفع الى
وزارة الداخلية التي إما أن تطلب من البلديات الدفع، وإما أن تكلّف الهئية العليا للإغاثة بذلك. وفق حسابات خير، فإنّه من المرجّح أن تقول كافة البلديات أن لا أموال لديها، لكن البعض قد يملك وهذا الأمر بحاجة الى تقييم، فالوزارة تعرف الواقع المالي والحسابات المالية لكل بلدية.

وهنا يشدّد خير على أنّ الهيئة العليا للإغاثة لن تدفع للمواطنين مساعدات على غرار ما كان يحصل في السابق. هذه المرة لا يوجد أموال. جُل ما يمكننا فعله هو تسوية المباني التي تحتوي على خطورة. ووفق خير، سيكون هناك “بدل إيواء” للأشخاص الذين تشكل المباني خطورة عليهم بنسبة 100 بالمئة لا 50 بالمئة. مجلس الوزراء سيقر الأسبوع المقبل مبدئيًا سلفة خزينة بقيمة 30 مليون دولار لاستكمال مسح الأبنية المتصدعة وتأمين بدلات إيواء لقاطني المباني المتصدعة كثيرًا والتي من المرجّح أن تهبط على الأرض. هذا المبلغ يجب أن يستفيد منه المواطنون لتأمين بدل إيواء لا أن “يكزدروا” فيه على حد تعبير المتحدّث.

أي “غش” في عملية التقييم سيعرّض المعنيين للمساءلة 

ويشدّد خير على أنّ القانون 646 أي “قانون البناء” يُلزم المهندس أن يكون شفافًا ومسؤولًا والمالك مسؤولًا واذا تبيّن أي “غش” في عملية تقييم المباني سيحوّل المتلاعبون الى القضاء خاصة أنّ الملفات التي تقدّمها البلديات للداخلية ستحوّل للهيئة العليا للإغاثة، وسيطّلع الجيش -الذي سيُجري مسحًا برفقة مهندس من قبله- على المباني لمعرفة ما اذا كانت المعلومات التي قدّمتها البلدية صحيحة أم لا.

وحول الوقت المستغرق للعملية، يلفت خير الى أنّ الأمر يتوقّف على همّة البلدية والمهندسين، وهمّة المواطن الذي يجب أن يُبلغ اذا ما كان لديه مبنى متصدع أو آيل للسقوط، فمسألة المسح الشامل التدريجي يُعمل عليها، لكنها ستستغرق وقتًا ونحن نتحدث عن ملايين المنازل على مستوى لبنان. وعليه، على المواطن إبلاغ البلدية التي تعد بمثابة -رئيس جمهوريته- عن الحالات الطارئة والخطرة لتسارع لجنة الكشف وتتوجه الى مبناه.

مباني طرابلس الأكثر تصدعًا 

ولا يُخفي خير أنّ “المباني في منطقة القبة والأسواق الداخلية في طرابلس هي الأكثر تصدعًا، فهذه المنطقة تعاني الكثير من الفقر والحرمان وقد تعرضت لإهمال الدولة ويجب أن نقف الى جانبها، وعلى كل مواطن أن يملك الحس الإنساني للحفاظ على بعضنا البعض”، يختم خير حديثه.

درغام: لطالما أرسلنا كتبًا حول الأبنية المتصدعة 

رئيس ​اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية​ لبيروت ​محمد درغام​ يذكّر أنّ الاتحاد ومنذ أكثر من عامين يتحدّث عن المباني المتصدّعة وقد أرسل كتبًا في هذا الصدد الى وزراة الداخلية. كما أرسل منذ نحو ثمانية أشهر كتابًا الى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي لتشكيل لجنة من وزراة الأشغال، نقابة المهندسين، التنظيم المدني، المحافظة ومهندس من قبل البلدية للكشف عن المباني، لكن لم نلق الإجابة المطلوبة.

ثلاث مراحل 

يتحدّث درغام بالتفصيل عن آلية الكشف عن الأبنية المتبعة حاليًا، فيوضح في حديث لموقعنا أنّ كل مواطن ضمن نطاقه البلدي يتقدّم للبلدية بشكوى عبر استمارة تم إعدادها على مستوى بلديات الضاحية واتحادها. هذه الاستمارة يملؤها المواطن مزودة بالصور والمعطيات حول المبنى الذي يقطن فيه. وقد كُلّف مكتب لمتابعة هذا الملف من قبل الاتحاد. وبناء على الصور والمعطيات يُجري هذا المكتب كشفًا أوليًا ويضع الأولوية للتحرك والتوجه الى المبنى. وهنا يوضح درغام أنه بات لدينا عدد لا بأس به من المباني التي تم الكشف عليها وقد سجّل حتى الساعة 55 مبنى في مختلف مناطق الضاحية، على أن يتم لاحقًا إعداد تقرير تفصيلي وتزويد الهيئة العليا للإغاثة ومجلس الوزراء به.

ويوضح درغام أنّ الـ55 مبنى تم الكشف عليها بعد شكوى قدمت من المواطن. يتمنى من المواطنين أن لا يزيدوا الضغط علينا عبر إرسال شكاوى ليست في محلها على قاعدة “ليطمئن قلبي فقط”. وفق درغام، لا نستطيع عبر فريق من البلديات أن نكشف على الضاحية الجنوبية بأكملها فكل مبنى له ملف واستمارة ويكشف عليه مهندس بمؤازرة شرطي بلدية.

وفي سياق حديثه، يوضح درغام أنّه ثمّة مبان تتطلب هدمًا وأخرى ترميمًا،إلا أنّ قرار الهدم لا يمكن اتخاذه بناء على تقويم نظري. لذلك، فإنّ عملية المسح والكشف تتطلب ثلاث مراحل؛ الأولى كما ذكرنا سابقًا هي عملية كشف أولي، واذا وجدنا ضرورة لمشاركة مختبر نتحوّل الى المرحلة الثانية ليقوم المختبر بالكشف مع الإشارة الى أن تكلفة كشف المختبر على كل مبنى كبيرة، ومن ثم تبدأ المرحلة الثالثة حيث يتحوّل الملف من المختبر الى مكتب الهندسة ويقول المهندسون الإنشائيون كلمتهم لناحية الترميم أو الإزالة.

لسنا قادرين على تحمل التكلفة 

لا يُخفي درغام أنّ كلفة الترميم عالية جدًا، وعليه يقول: “لا أحد يعتقد أن البلدية سترمم أو تتكفّل بعملية الإزالة، قرار مجلس الوزراء واضح في هذا الخصوص وهو كلف الهيئة العليا للإغاثة لأنّ البلديات غير قادرة”. يعود درغام ويشدّد على أن البلديات لا تملك الأموال لهذه المهمة، واذا كنا قادرين فليحملونا!!. وفق درغام اذا كانت الدولة والحكومة ستضع تكلفة هذا الملف على عاتق البلديات فمعناها لا يوجد دولة وهم يعلمون جيدًا كم يُحمّلون البلديات أعباء. أكثر من ذلك، يقول درغام “لو أنّ بلدية أو بلديتين لديهما مبنى أو مبنيان متصدعان نقول أن البلديات مسؤولة ولكن هذه القضية اليوم هي مشكلة وطن بأكمله”.

 

Exit mobile version