آفاق صادرات النفط الإيرانية في العام 2021
تسببت سياسة “الضغوط القصوى” التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تجاه إيران طيلة السنوات الثلاث الماضية في تفاقم أداء الاقتصاد الإيراني تزامناً مع حظر تصدير النفط الإيراني للأسواق الدولية، الذي يعد أهم مصادر دخلها.
وتنتظر طهران، وفق الترجيحات، أن تخفف الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة جو بايدن، العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها وتقديم إعفاءات لمشتري الخام الإيراني لاستيراده في أقرب وقت ممكن، وذلك كبادرة إيجابية من جانب الأولى لتقليص حدة التصعيد بين البلدين، ودفع طهران لتخفيض مستوى تخصيب اليورانيوم الذي تصاعد أثناء ولاية الرئيس ترامب، وعلى نحو قد يمهد لإبرام اتفاق شامل بشأن البرنامج النووي في غضون عامين على الأكثر.
طموحات طهران
مع تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير/كانون الثاني 2021، انتعشت الآمال الإيرانية في إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على طهران، والتي أدت إلى تراجع شديد لإنتاج الخام الإيراني لما يقارب مليوني برميل/شهرياً، مقارنة مع مستوى يتخطى 4.5 مليون برميل/يومياً قبل العقوبات. فيما تقلصت الصادرات النفطية إلى مستوى يتراوح بين 300 ألف و500 ألف برميل/يومياً، مقارنة بـ 2.5 مليون برميل/يومياً قبل العقوبات.
وعلى هذا النحو، أبدت وزارة النفط الإيرانية، ديسمبر/كاننون الأول 2020، استعدادها لزيادة إنتاجها النفطي إلى مستويات ما قبل العقوبات الاقتصادية الأمريكية، هذا في الوقت الذي بدأت فيه طهران إجراء مفاوضات مع شركات أوروبية وآسيوية، لتعزيز صادراتها من النفط الخام، وتنفيذ مشاريع في تنقيب وإنتاج النفط الخام وفق تصريحات سابقة لنائب وزير النفط الإيراني، أمير حسين زماني.
وإلى حين رفع الحظر الأمريكي على الاستثمارات بقطاع النفط الإيراني، تبنت شركة النفط الوطنية الإيرانية خطة استثمارية تستهدف الاعتماد على الشركات المحلية لتسريع وتيرة الإنتاج في غضون الأشهر القليلة المقبلة، وقد تعاقدت، في يناير/كانون الثاني 2021 على صفقات مع مقاولين محليين بقيمة 1.2 مليار دولار لزيادة إنتاج النفط الخام في الحقول البرية في مقاطعات بوشهر وخوزستان وغيرها. كما كانت الشركة نفسها قد اتفقت على عقود محلية مماثلة بقيمة 1.8 مليار دولار، أغسطس/آب 2020، بغرض زيادة الإنتاج في حقول برية وبحرية في مختلف أنحاء إيران.
مصاعب انتقالية
مع ذلك، فإنه في الوقت الراهن، لا تزال العقوبات الاقتصادية الأمريكية سارية على طهران، وسيواجه أي مشترٍ للخام الإيراني عقوبات بموجب التشريعات الأمريكية. لذا، على الأرجح سوف يُحجِم معظم عملاء النفط الإيراني، ولا سيما اليابان أو كوريا الجنوبية وهم الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة، بجانب الدول الأوروبية، عن شراء الخام الإيراني في الفترة الحالية، لحين بداية إعادة التفاوض حول البرنامج النووي، وتقديم إعفاءات استيراد لهم كما كان معمولاً به في السابق.
ويأتي هذا في الوقت الذي وجهت الإدارة الأمريكية رسائل مباشرة إلى طهران، عبر وزارتي الخزانة والخارجية الأمريكيتين، تؤكد فيها أنها لن تخفف العقوبات الاقتصادية إلا إذا التزمت إيران بخفض تخصيب اليورانيوم. ويضاف إلى السابق، أن الإدارة الأمريكية تبدو منشغلة حالياً بقضية احتواء تداعيات جائحة “كورونا” على الاقتصاد الأمريكي، وترسيخ دورها في النظام الدولي بعد أن انسحب الرئيس ترامب، خلال الفترة الماضية، من اتفاقيات دولية عديدة، وأبرزها “إتفاقية باريس للمناخ”.
ومعنى ذلك، أن عملية التفاوض بين الجانبين الأمريكي والإيراني، إضافة إلى أطراف خطة العمل المشتركة الآخرين، قد تستغرق وقتاً طويلاً، وسيتم على الأرجح التوصل لصفقة جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، بحلول العام 2022 أو العام 2023 على الأكثر.
إستعدادات مبكرة
قد ترى إيران، رغم سريان العقوبات الاقتصادية الأمريكية، أن إدارة الرئيس بايدن لن تضغط بشدة على مخالفي تلك العقوبات، وفق ترجيحات عديدة، على نحو ربما تبدأ معه في زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط، حتى قبل أية مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد.
وبالفعل، فقد شهدت الصادرات الإيرانية مؤخراً نمواً ملحوظاً، ووصلت إلى نحو 710 ألف برميل/يومياً، ديسمبر/كانون الأول 2020، من 490 ألف برميل/يومياً، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وفق شركة “إس.في.بي انترناشيونال”، وهو مستوى قياسي بعد أن انخفضت الصادرات إلى ما يتراوح بين 100 ألف و200 ألف برميل/يومياً في النصف الأول من العام 2020.
ومن المرجح أن تتجاوز صادرات الخام الإيرانية نحو 600 ألف برميل/يومياً، وفق شركة “بترو لوجيستيكس”، ومقرها جنيف. وفي الأشهر المقبلة، قد تتخطى الصادرات الإيرانية هذا الرقم لتصل في المتوسط في العام الجاري إلى نحو 700 ألف برميل/يومياً وفق تقديرات أخرى.
وقد تتخذ واشنطن قراراً بتخفيف العقوبات الإقتصادية على طهران عبر تقديم إعفاءات لتصدير النفط لعدد محدود من المشترين، على أن يسمح بإستخدام العائدات في مقايضتها بإستيراد السلع الحيوية كما كان معمولاً به في السابق، وعلى نحو سوف يساعد في تمهيد الطريق للمحادثات بين الطرفين بشأن خطوات التوصل لإتفاق نووي جديد في العامين المقبلين.
وهناك عدد من المشترين التاريخيين لإيران، وفي صدارتهم الهند، على استعداد لاستقبال شحنات الخام الإيراني سريعاً، ليس فقط في ظل جودته العالية، ولكن للمزايا التي تقدمها طهران لعملائها على غرار تحديد خصم على سعر البرميل، وتقديم تسهيلات في نقل النفط للمصافي النفطية.
ومن شأن جولة جديدة من إعفاءات تصدير النفط أن تساعد على تنشيط الإقتصاد الإيراني الذي عانى من ركود حاد في الفترة الماضية، ولا سيما مع التأثيرات السلبية لجائحة “كورونا” على النشاط غير النفطي، بالإضافة إلى تضخم مفرط وارتفاع البطالة. ومع ذلك، يبدو من الصعب أن تستعيد طهران كامل حصتها السوقية في ظل ضعف الطلب العالمي على الخام بسبب جائحة “كورونا”.
وختاماً، يمكن القول إن تفعيل المسار الدبلوماسي بشأن البرنامج النووي الإيراني مجدداً يمثل بارقة أمل لاقتصاد طهران المتدهور، مع احتمال عودة بعضٍ من إمدادات النفط للأسواق الدولية، لكن مما قد يحد من هذه المكاسب المنتظرة جائحة “كورونا” التي سيمتد تأثيرها على النشاطين النفطي وغير النفطي.
-مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
-تم النشر عبر ’’مركز سيتا’’