مقالات مختارة

كتب ناصر قنديل | ليس مجرد عيد…الحرب لا تزال مستمرة

ناصر قنديل | رئيس تحرير صحيفة البناء

– قد يحاول البعض التذاكي في الحديث بمناسبة عيد المقاومة والتحرير بالقول إنه يشاركنا فرحة العيد، لكنه يتحفظ على ما بعده، فقد انتهى دور المقاومة بعد إنجاز التحرير. والحقيقة هي أن لا قيمة للاحتفال بالعيد ما لم تكن المناسبة هي للتفكير والمصارحة والتأمل، لأن الاحتفال على قاعدة إغلاق ملف المقاومة يعني إقفال ملف الصراع مع الاحتلال، وملف الحروب لا يُغلَق من طرف واحد، فإما أن دعاة إغلاق الملف يعتبرون أن المطلوب لاتفاق سلام مع الكيان، وهم يعلمون ان بعض أرضنا لا يزال محتلاً وقد فشلت محاولات استرجاعه بالتفاوض عبر الأمم المتحدة، عند تولي الأمم المتحدة والرئيس السابق فؤاد السنيورة تقديم مبادرة بانسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا التي تعترف بأنها محتلة، لكنها لا تعترف بلبنانيّتها، ولذلك تقول المبادرة بتسليم المزارع لقوات اليونيفيل، لحين الانسحاب من الجولان، فيقرّر لبنان وسورية كيفية التعامل معها، أو اعتماد الأمم المتحدة لما وصلها وما يمكن أن يصلها من إثباتات وخرائط لبنانية وسورية تتيح تسليمها للبنان. والبعض يرغب التستر عن أن النتيجة كانت بالرفض المطلق من الجانب الإسرائيلي مدعوماً بموقف أميركي، تأكدت خلفياته لاحقاً مع إعلان الكيان ضمّ الجولان، وإعلان واشنطن تأييد الضم، بما يعنيه ذلك من مصير قاتم لوضع مزارع شبعا التي تم ربط مصيرها بمصير الجولان، ويأتيك من يسأل عن من يعمل بموجب تلازم المسارين اللبناني والسوري؟
– إذا انطلقنا من أن لنا أرضاً محتلة واستبعدنا دعوات سلام مع الكيان لأكثر من مجرد أن لنا أرضاً محتلة، بل لأن لبنان مع الجزء الذي يلتزم من العرب بخيار التطبيع ولا يزال يربط أي خطوة تسوية سياسية بالمبادرة العربية للسلام، خصوصاً ما يتصل بحق العودة للاجئين الفلسطينيين التي تشدد بموقعها من المبادرة في قمة بيروت عام 2002، الرئيس اللبناني المقاوم اميل لحود، لأن اللبنانيين التزموا بإجماع وطني على رفض التوطين وصار مادة في دستورهم، والخيارات محصورة بين التوطين وحق العودة، سوف نصل إلى أن الصراع مستمرّ ونحن جزء عضوي منه، وهذا من جانبنا، فماذا عن جانب العدو؟
– لا نحتاج إلى تحليل لنكتشف أن كيان الاحتلال الذي كسر مهابة جيشه بالانسحاب بلا ثمن من لبنان، لا يزال يربط استعادة مكانته في المنطقة بتأديب لبنان، وحرب تموز 2006 كانت أشدّ تعبير عن ذلك، ولولا أن المقاومة تمسكت بسلاحها وراكمت المزيد من القدرات الحربية، بما تكفل بهزيمة العدو في هذه الحرب، لكانت نتيجة ما بعد الحرب وفق حسابات الكيان العودة لزمن التحكم بالأمن والسياسة في لبنان من بوابة التهديد المستمر بالحرب، خصوصاً أنه تعلم درس الاحتلال، وليس مضطراً للبقاء في الأرض اللبنانية، فيكفيه التفوق الناري وقوة الردع ليحصل على ما يشاء. وهو بالرغم من أنه خرج مهزوماً يجد دائماً بين اللبنانيين من يدعو للتنازل عن حقوق لبنان السيادية تحت شعار تفادي غضب الكيان ومخاطر الحرب معه. وفي الحصيلة ثبت أن قوة الردع التي مثلتها المقاومة هي التي حفظت بعض هذه الحقوق، لأن جيش الاحتلال بات يحسب الحساب للتورط في الحرب، كما قالت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بلسان المفاوض الأميركي عاموس هوكشتاين، عندما فسّر ما أسماه حصول لبنان على ما يريد، بالقول إن ذلك كان الطريق الوحيد لحرب كان حزب الله مستعداً للمخاطرة بخوضها.
– منذ صدور القرار 1701 وقيادة الكيان التي رفضت تسوية وضع مزارع شبعا وفقاً للحل التفاوضي الذي ورد في نصوص القرار 1701، ترفض بلوغ مرحلة وقف إطلاق النار، أي إعلان الخروج من حالة الحرب، نحو حالة الهدنة، وترفض وقف انتهاكات المياه والأجواء اللبنانية، بل واستعمالها لأعمال عدوانية مثل الغارات التي يشنها طيرانه على سورية من الأجواء اللبنانية، بينما يتحدث بعض اللبنانيين عن الخروج من حال الحرب، باعتباره ممكناً من طرف واحد، وهم يعلمون علم اليقين العكس تماماً. والمقاومة التي تعرف أن مصائر الأوطان تبنى على الحقائق لا على اللغو الكلامي، تدرك أنها منذ نجحت بتحرير أغلب الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال، صارت مسؤوليتها أكبر، وصار عليها أن تسارع الخطى في مجال بناء القوة بما يتناسب مع مرحلة مختلفة بطبيعتها العسكرية للمخاطر التي يمثلها جيش الاحتلال المتربص بلحظة انقضاض ترد له الاعتبار من المقاومة التي أذلته. والمقاومة تستحق الإكبار على ما أنجزت في غير ميدانها، من بناء قدرات شبه نظامية، في سلاح الصواريخ والطائرات المسيّرة، حتى حققت للبنان الحماية. وهذه المهمة من صلب عناصر تأسيس المقاومة، بل كانت الأساس انطلاقتها يوم قام الإمام السيد موسى الصدر بتشكيل أفواجها الأولى قبل وقوع الاحتلال تحت عنوان الحماية.
– مناورة المقاومة قبل أيام هي محطة إضافية في طريق بناء القوة التي تردع، ورسالة المقاومة هذه المرة أقوى، إن حاولتم اختبار بأس المقاومة، والاعتداء على لبنان تحت أي عنوان، فالردّ لن يكون بالنار فقط، بل بالعبور، والعبور يعني عملياً وضع مصير الكيان على المشرحة، والفوران الإسرائيلي الهستيري بعد المناورة يعني أن الرسالة وقعت على مواجع الكيان، فأصابت منه مقتلا. وكل الكلام المقال خارج النص عن تهديد بالحرب، ليس إلا زبداً يخرج من الأفواه في لحظات الهستيريا، كما يقول أطباء علم النفس وعلم الأعصاب، ولذلك عندما يخاف العدو فلا يجب أن يخاف اللبناني بل ان يشعر بالأمان، ومن يخاف فقط هو من ربط مصيره بمصير الكيان، فيريد الكيان قوياً والمقاومة ضعيفة، لأنه ضمن حلف دولي وإقليمي يشكل الكيان بيضة القبان فيه، فيخشى قوة المقاومة وضعف الكيان، لأنه يخشى على حسابات المصالح الضيقة التي وعده بها أو وعد نفسه بها، إذا انتصر هذا الحلف الذي ربط به مصيره.
– الحرب مستمرّة، والاحتفال بالعيد هو بيعة جديدة للمقاومة، والوقوف معها على ضفاف المنتصرين، ومن يرغب بالوقوف على ضفة الهزيمة فذلك شأنه وحده، لأن لبنان انتصر ولا يزال على ضفاف النصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى