مقالات مختارة

الضفّة الغربيّة تدخل العام 2021 وهي لا تزال تقاوم

حسن لافي – كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي
تسارع المشروع الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية والقدس خلال العام 2020 من أجل حسم هُوية مدينة القدس كعاصمة يهودية بحتة للكيان الإسرائيلي من جهة، وقتل أي مساعٍ فلسطينية أو دولية لإقامة أي كيانية فلسطينية في الأراضي المحتلة العام 1967 من جهة أخرى. وبذلك، تتمكّن “إسرائيل” من حسم المعركة في الساحة الرئيسية للمواجهة بينها وبين الكلّ الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي في الأمة.

حاولت “إسرائيل” من خلال التكامل بين مشروع ضمّ الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية ومشروع التطبيع العربي خلق حالة خادعة بأنَّ الحركة الصهيونية حقَّقت الانتصار على الشّعب الفلسطينيّ، وخصوصاً مع استئناف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني والعلاقات الثنائية مع “دولة” الاحتلال، في ظلّ مخطّطاتها الاستيطانية الإحلالية للوجود الفلسطيني السياسي والسكاني في الضفة الغربية ومدينة القدس.

تشير قراءة السلوك الصهيوني في الضفة الغربية في العام 2020 على مستوى الفعل الاستراتيجي أو على مستوى التأثيرات الصهيونية اليومية في حياة المواطن الفلسطيني، وتأثيرات تلك الأفعال السلبية الطاردة لأي احتمال لتطور حياة الفلسطينيين وتنميتها، أنّ عوامل انفجار غضب الضفة الغربية في وجه الاحتلال الصهيوني ما زالت قائمة، بل تزداد مع توسع الاستيطان الصهيوني والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينية، ما أنتج ما يمكن تسميته “دولة المستوطنين” في القدس والضفة الغربية، والتي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن، وتعتبر صاحبة السلطة الأساسية والكلمة الفصل على كل مخططات الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس، وإن لم يكن بشكل رسمي، فهو بالتأكيد بشكل فعلي على أرض الضفة والقدس.

أدى ازدياد عدد المستوطنين في الضفّة الغربيّة مع اتساع البؤر الاستيطانية العشوائية، إلى زيادة الحاجة لتوفير الأمن لـ”دولة” المستوطنين، وما يتطلَّبه ذلك من احتياجات استيطانية جديدة، الأمر الذي خلق علاقة طردية بين توفير الأمن لهم والتوسع الاستيطاني على حساب الوجود الفلسطيني.

بات حفظ أمن “دولة” المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، مع اتساع رقعة الاستيطان وما يرافقه من تشابك وتداخل بين هذه “الدولة” وبين السكان الفلسطينيين، مهمة صعبة على أجهزة الأمن الإسرائيلية و”الجيش”، الأمر الذي دفع جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” إلى الاعتراف بأن حفظ أمن المستوطنين في الضفة الغربية والقدس بات مهمة معقدة جداً.

وفي السياق نفسه، يقرّ الشاباك بأهمية الخدمة الأمنية التي يقدمها التنسيق الأمني من قبل السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يجعل نداف أرغمان، رئيس الشاباك الإسرائيلي، ضيفاً دائماً على المقاطعة في رام الله، رغم حالة الرفض الشعبي الفلسطيني للتنسيق الأمني، والقرارات المتكررة الداعية لإلغاء هذا التنسيق الذي بات لا يخدم إلا القائمين عليه، تحت عنوان التعاون المشترك في ضبط الحالة الأمنية في الضفة الغربية، بمعنى منع عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ومستوطنيه.

اختلفت سياسة الاحتلال منذ فترة، وخصوصاً خلال العام 2020، في تعاطيها مع العمليات الفدائية الفلسطينية، إذ تنتهج “إسرائيل” سياسة اقتصار العقاب القاسي على البيئة الحاضنة لمنفّذ العملية الفدائية وقريته وبلدته وعائلته الأولى، من دون الذهاب إلى اتساع سياسة العقاب الجماعي إلى كل مناطق الضفة الغربية، في محاولة إسرائيلية لوأد الحواضن الوطنية التي يترعرع فيها الفكر المقاوم المنتج للفعل الكفاحي الفلسطيني في ميدان المواجهة، من خلال إحداث حالة مقارنة بين مصير منفذ العملية (الفدائي) والتضييق على أهله وحاضنته الشعبية، والمستكين الذي يسعى وراء لقمة عيشه المغمسة بذلّ تصاريح الإدارة المدنية الإسرائيلية ومعاناة حواجز الموت لـ”الجيش” الإسرائيلي.

كل ذلك من أجل وأد حالة النموذج والإلهام الشعبي، وخصوصاً بين فئة الشباب، التي تنظر إلى منفذي العمليات الفدائية على أنهم الأسوة والأبطال الذين يجب السير على خطاهم، رغم كل الجهود المبذولة في هذا السياق بين الثلاثي المتحكم بالقرار الأمني الإسرائيلي في الضفة الغربية (“الجيش” والشاباك والإدارة المدنية)، والتي كان آخرها فتح البوابات في الجدار العازل، والتعامل المباشر بين المواطن الفلسطيني والإدارة المدنية الإسرائيلية، والتضييق على مخصصات الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين، والتهديد بإقفال البنوك الفلسطينية التي تتعامل مع تلك الفئات المناضلة التي تمثل الرموز الفلسطينية المقاومة.

تؤكّد عملية باب حطة في القدس المحتلة وغيرها من العمليات الفدائية الفردية التي ينفّذها الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس بواسطة أقل الإمكانيات القتالية المتوفرة، أن تلك الاستراتيجية الإسرائيلية فاشلة، والدليل على ذلك هو استمرار الشباب الفلسطيني في تنفيذ العمليات الفدائية، في ظل ترحيب شعبي وجماهيري واسع، بمعنى عدم قدرة ثنائية الاستيطان والتطبيع العربي على تنفيذ كيّ وعيه وقتل إرادته في مواصلة النضال ضد الاحتلال، إذ تدخل الضفة الغربية والقدس العام 2021 وهي ما تزال تقاوم.
الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى