كتاب الموقع

كتب عمر معربوني | محاكاة : كيف قرأ العقل ” الإسرائيلي ” مناورة عرمتى ؟

 

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

محاكاة : كيف قرأ العقل ” الإسرائيلي ” مناورة عرمتى ؟

هكذا غرّد الناطق باسم جيش الكيان الإسرائيلي : ” بعيدًا عن الشعارات التي يسوقها محور المقاولة وأبواقه فان مناورة حزب الله في جنوب لبنان تتحدى بالمقام الأول الحكومة والدولة اللبنانيتيْن والتزاماتهما. أما التهديدات فتعودنا عليها ممن انكشف دوره التخريبي في قتل اللبنانيين والسوريين والعرب وتنفيذه اجندات إيرانية في العالم العربي ”
هذه التغريدة لا تعكس في الواقع حقيقة الأمر وهي كناية عن كلام هلامي لا يعكس الوضعية الحقيقية التي يعيشها جيش الكيان الإسرائيلي حيث يمكن ايجاز حالة جيش الكيان من خلال ما ورد على القناة 12 العبرية بأن مناورات حزب الله الأخيرة قد تجبر الجيش الإسرائيلي على إعادة حساباته من جديد.
وذكرت القناة العبرية الـ12، مساء الثلاثاء 23 أيار / مايو 2023 ، أن هناك تهديدات متزايدة على الجيش الإسرائيلي قد تجبره على إعادة حساباته من جديد، بدعوى أنه في حاجة ماسة إلى تعزيز منظومة الاحتياط التي باتت تئن تحت تراكم الأعباء .
يتم التركيز في كيان العدو على حالة التطور التكنولوجي لحزب الله ، الذي يوصف في التقارير الدورية بأنه عدو ” إسرائيل ” الأول ، وان هذا التطور يسبب قلقا متزايدا لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية، وأنه على تل أبيب استغلال الميزانية الجديدة للبلاد في تطوير القوات العسكرية وبناء الجيش الإسرائيلي من جديد.
على مدى آخر سنتين تم توثيق شهادات لجنود الاحتياط الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي على الحدود الشمالية أن هناك حالة واضحة من نقص المعدات والذخيرة والآليات العسكرية ، فضلا عن انعدام التغطية الاستخباراتية التكتيكية للتعامل مع التهديدات المتزايدة على الجبهة الشمالية.
والأمر الذي بات مؤكداً أن القيادة الميدانية للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، وتحديدا على الحدود اللبنانية تدرك تلك الحقيقة إلا أنها تقف عاجزة عن إيجاد حل لهذه المشكلة الواقعية .
وعلى غرار القناة 12 العبرية كان للعديد من المحللين الصهاينة رأي مشابه ظهر على موقع ” إسرائيل هيوم ” و ” القناة السابعة ” ومواقع عديدة أخرى .
بداية وهو ما لم يصرّح به احد من حزب الله ونطقت به المناورة انه أتت ردّاً على الغرور الإسرائيلي بعد عملية ” درع وسهم ” الفاشلة والتي اعتبرها قادة الكيان الإسرائيلي عملية ناجحة ، في حين ان غالبية المحللين في الكيان اجمعوا على فشلها وعدم تحقيق أهدافها بدليل ان صواريخ المقاومة الفلسطينية استمرت باطلاق صلياتها حتى الدقيقة الأخيرة قبل وقف اطلاق النار .
بالرجوع الى مقدمة النص يبدو واضحاً ان المشكلتين الرئيسيتين للجيش الإسرائيلي هما العجز الكبير في منظومة الإحتياط والخلل الفادح في القدرات اللوجستية سواء بما يرتبط بنقل الذخائر والمعدات او حتى بما يرتبط باحتياجات الجنود في الميدان .
رغم التجهيزات العسكرية المتراكمة لدى جيش الكيان ، واستعداداته التي لا تتوقف تحضيرا لخوض مواجهات قتالية على أكثر من جبهة عسكرية ، لكن أصواتا إسرائيلية تخرج بين حين وآخر تحذّر مما تسميه “كارثة” تنتظر الجيش، في ضوء تراجع ثقة الجمهور الإسرائيلي الكاملة في قدراته العملياتية، وتدني مستوى رأس المال البشري الذي يحوزه، وعدم قدرة التكنولوجيا العسكرية على تعويض التقهقر في الإمكانيات القتالية لدى الجنود .
الجنرال يتسحاق بريك المفوض السابق لشكاوى الجنود، وقائد الكليات العسكرية، وقائد الفرقة النظامية 36، استعرض في مقاله على موقع ميدا، ما قال إنها ” أبرز الإخفاقات البنيوية داخل الجيش، وأهمها تنامي الميزانية المالية الباهظة الممنوحة للجيش للعام الجديد 2022 ، وبلغت 58 مليار شيكل، ثم إضافة 7 مليارات أخرى، رغم أن هذه المبالغ الضخمة لا تجلب النتيجة المطلوبة، ولا تُترجم إلى أمن حقيقي، بل تعبر فقط عن الثقافة التنظيمية الفاسدة والسلوك غير الأخلاقي في كل مجال داخل الجيش ” .
إضافة الى ما قاله الجنرال يتسحاق بريك فإن مشاكل كبيرة وردت في العديد من مراكز الدراسات الصهيونية حيث لا يتوقف الأمر عند إشكاليات لوجستية داخل الجيش، بل تعداه إلى أن الانضباط في معظم السرايا والكتائب بات فضفاضا، ولا يتم تنفيذ العديد من الأوامر، ولا توجد رقابة وإشراف من كبار القادة على تنفيذ أوامرهم، ولا يوجد خوف من صغار القادة والجنود من عدم تنفيذها، فضلا عن أن القادة الذين لا يبادرون، لا يتحملون المسؤولية أيضاً، فقط يفعلون ما يطلب منهم، لكنهم لا يتخذون القرارات، ولا يفعلون ذلك، ولا يضربون نموذجًا شخصيًا، بل يصدرون الأوامر، ويتنحون، ولا يساعدون الجنود بتنفيذ المهام، حتى لو كانت مساعدتهم مهمة جدًا.
هذه المعطيات الإسرائيلية المتشائمة تدفع عددا من كبار الضباط للاعتقاد بأن العديد من الكتائب والسرايا النظامية مستعدة لخوض حرب منخفضة، أما الحرب الواسعة الشاملة فسوف تشهد كارثة، لأن الجنود غير محترفين، وبلا حافز، وبدون روح قتالية، صحيح أن هناك معدات وأسلحة جديدة تلقوها، لكنهم لا يعرفون كيفية استخدامها، وتشغيلها، كما أن مستوى الخدمات اللوجستية في بعض الكتائب رديء للغاية، ولم يتم تدريب بعض الكتائب على محاربة المتسللين.
استناداً الى هذا الموجز عن مشاكل الجيش الإسرائيلي واذا اسقطنا ما جرى في مناورة المقاومة نلاحظ ان المحاكاة التي نفّذها مجاهدي المقاومة ترتبط بشكل كبير بما تم استخلاصه من معلومات ومعطيات سواء تلك التي وردت علناً على مواقع إسرائيلية او تلك التي وردت في مراكز الأبحاث والدراسات ، والأهم ما حصلت عليه المقاومة عبر المعلومات الإستخباراتية والإستطلاع .
واذا ما علمنا ان طول خط الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة هو 120 كلم فإن اندفاعة واحدة لوحدات المقاومة وبتوقيت واحد من عشرات النقاط بعد تمهيد ناري كثيف وسريع سيؤدي الى ارباك واسع في المواقع المحاذية لخط الحدود علماً ان سيناريو العبور هو ملك حصري لقيادة المقاومة لا يعلمه احد الاّ القادة ولا اعتقد ان العقل العسكري الإسرائيلي وان امكنه قراءة التفاصيل التقنية سيبقى عاجزاً عن فهم الروح القتالية لمجاهدي المقاومة التي كانت وستبقى عامل التطور والإنتصار الحقيقي .

المصدر | صباح الخير – البناء

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى