كتاب الموقع

كتبت ليندا حمّورة | التحرير .. عودة الهوية والكرامة

ليندا حمّورة | كاتبة وباحثة لبنانية

قد تكون كلمة تحرير كلمة صغيرة بمعناها لدى بعض الأشخاص الذين لم يتذوقوا طعم الاحتلال، ولم يقفوا يوماً على معبر يتوسلون ساعات رغماً عن التصاريح الموجودة معهم فقط للسماح لهم بالدخول إلى قراهم وبلداتهم، ولكنها تعني للجنوبيين الكثير، إنها كلمة أعادت لهم هويتهم ومسقط رأسهم وأرضهم وديارهم، فهل عرفتم ما معنى كلمة تحرير ؟
كنت طفلة صغيرة أبان الإجتياح ( الإسرائيلي) حينما حرق منزلنا في بحمدون وهُجّرنا ككثير من اللبنانيين، كانت محطتنا للهجرة هي ضيعتي الجنوبية ” ميس الجبل ” حيث كانت تحت سطوة الإحتلال حينذاك، أذكر مشهداً عالقاً في مخيّلتي حتى هذه اللحظة، فبينما كنت جالسة على شرفة المنزل سمعتُ أصوات لغة غريبة على مسمعي لا أفقه منها شيئاً، فنظرت إلى الطريق تحت الشرفة وإذ بصفٍ عسكريّ يترجّل مع عتاده وأجهزة اللاسلكي وكان في آخر الصفّ عسكريّ يسير معاكساً كي يحرس فريقه، وهم يتلفتون يميناً ويساراً. طبعاً لم يخفني هذا المشهد لأنني كنت قد اعتدت على دوي القذائف والقصف المتواصل والاختباء في الملاجىء ! سرحت بهذا المشهد وترقبته عن كثب ظناً بي أنّهم قوّة شجاعة، وما إن وصلوا عند نقطة ( البيادر ) كما نقول لها في منطقتنا حتى اقترب منهم حمار وعندها كان المشهد الغريب، إذ فروا هاربين كأنهم رأوا أسداً، فرحت أركض لأسأل والدي لماذا حصل هذا وكيف لهؤلاء الذين دمروا منزلنا وهجّرونا أن يخافوا من حمار ؟ فقال لي والدي : إنهم يخافون أن يكون الحمار ” مفخخًا ” أي أن ينفجر بوجههم، عرفت حينها أن هذا الشعب الذي يحاول إخافتنا هو أجبن من أن يواجه حماراً في الشارع .
قصة من قصصٍ كثيرة عالقة في الذاكرة، صحيح ( اسرائيل ) كانت تحتل جنوبنا ولكنها أيضاً احتلّت عقولنا وأعصابنا، كانوا يطرقون الأبواب ويفتحونها بالقوة لكي يأخذوا شبابنا ويسلحونهم ضمن منظومة ما كان يسمّى بجيش لحد، كل هذه الأحداث محتها دماء شباب قاوموا وخسروا أرواحهم كي يستعيدوا لنا أرضنا ومجدنا، تحرير الأرض ليس أمراً سهلاً فهو يستلزم شجاعة وقوة وتحديات وبطولات ودماء كثيرة، فكانت المقاومة هي التي اختارت بنفسها بعيداً عن مساندات دولية أو حتى محلية، اختارت الغوص في وحول حرب ضروس مع وحوش يملكون من الأسلحة ما لم تملكه دول عظمى، ورغم هذا كلّه انتصر الحق في الخامس والعشرين من شهر أيار عام ٢٠٠٠، انتصر الجنوب اللبناني انتصاراً يشهد له التاريخ بعظمته وقوّته …
هنيئاً للبنان جنوبه الذي استعيد لخارطته بعد صراع طويل، وهنيئاً لنا بأبطالٍ قاوموا بكل ما أوتوا من قوة لكي يعيدوا مجدنا وكرامتنا معزّتنا، وهنيئاً لكل أمٍ استشهد ولدها في هذه المعركة الكبيرة، وكل عامٍ ونحن وأنتم بألف ألف خير .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى