كتاب الموقعمقالات مختارة

كتب حيّان نيّوف | قمة بريكس: بين الطموحات والمعوقات والنتائج

حيّان نيّوف | كاتب وباحث سوري

اختتمت مجموعة بريكس قمتها التي يمكن وصفها بالتاريخية والتي عقدت في جنوب أفريقيا. شكّلت هذه القمة واحدة من أهم المحطات المفصلية بتاريخ المنظمة من تأسيسها في العام 2006 وذلك نتيجة عاملين رئيسيين، أحدهما متعلق باللحظة المفصلية التي يمر بها العالم، والآخر متعلق بحجم الضخّ الإعلامي الذي سبق ورافق القمة.

يمكن القول إن القمة اتخذت أحد أهم القرارات في تاريخها والمتعلق بدعوة ست دول جديدة للانضمام إلى المجموعة وبعضوية كاملة اعتبارًا من مطلع العام المقبل 2024، وهي “إيران والأرجنتين وأثيوبيا والسعودية ومصر والإمارات”. واللافت هو أن عدد الدول المدعوة يفوق عدد الدول الحالية الأعضاء في المنظمة “روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا”.

في الجغرافيا السياسية، يمكن القول إن دعوة تلك الدول تمثل اختراقًا كبيرًا من قبل بريكس لدول الجنوب العالمي، حيث توزع الأعضاء الجدد بين أفريقيا “دولتان هما مصر واثيوبيا”، غرب آسيا “ثلاث دول هي إيران والسعودية والإمارات”، وأميركا الجنوبية “الأرجنتين”، وأما وصف ذلك بالاختراق فعائدٌ للتنافس المحتدم بين الغرب الجماعي وبريكس على دول الجنوب العالمي.

في الاقتصاد، الوضع لا يقل أهمية عما هو في الجغرافيا، لكن لا يمكن وصفه بالإنجاز الكامل، فالأهمية تأتي من وجود ثلاث دول تعتبر كمصادر رئيسية للطاقة في العالم هي “السعودية والإمارات وإيران”، بمقابل ثلاث دول أخرى تعاني من أزمات اقتصادية أو مديونية عالية هي “مصر واثيوبيا والأرجنتين”.

في السياسة، ثلاثة من الأعضاء الجدد يتمتعون بعلاقات تعاون وشراكة استراتيجية “أمنية وعسكرية” مع الولايات المتحدة ومنذ مدة طويلة، وهي “السعودية والإمارات ومصر”، بالمقابل فإن الدول الثلاث الأخرى تعتمد نهجًا مختلفًا لكل منها يتنوع بين المواجهة مع الولايات المتحدة أو معارضتها أو التفرد عنها.

في النفوذ، يمكن القول إن ما يجمع الدول الست هو النفوذ الإقليمي لكل منها وتأثيرها في المحيط الذي تنتمي إليه، وتمثل كلٌّ منها ثقلًا نوعيًا لا يمكن تجاهله وإن اختلف هذا الوزن الإقليمي بين واحدة منها والأخرى لكنها تبقى جميعها ذات نفوذ ووزن لا يمكن القفز فوقه.

ووصف آخر ينطبق على الدول الست وتشترك به، هو أنها جميعها من الدول الناشئة في العالم الجديد، هذا بالإضافة لما تمثله معظمها من ثقل ديمغرافي.

وبنظرة شاملة فإنه يمكن القول إن بريكس اختارت أعضاءها الجدد بعناية فائقة، وهي مطالبة اليوم بتسريع اندماج الأعضاء الجدد في المجموعة مع مراعاة لكل الجوانب الاقتصادية والسياسية والمالية ومؤشرات التنمية في تلك الدول وبما يضمن الحفاظ على الشراكة المطلوبة ضمن هذا التكتل المؤهل لتشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب في مقابل سياسات الهيمنة والتفرد التي يقودها الغرب الجماعي ومجموعة السبع.

يحتاج هذا الاندماج بالدرجة الأولى إلى عوامل عدة أهمها إنعاش وتوسيع بنك التنمية لدول بريكس والمعروف باسم “بنك بريكس” والإسراع في إيجاد نظام تحويلات مالية جديد يكون مقابلًا لنظام سويفت الغربي.

لا بد من التعريج على ملف انضمام الجزائر لمجموعة بريكس وهو ما كان متوقعًا قبل القمة خاصة أن الجزائر كانت وضعت مليارًا ونصف دولار كمساهمة في بنك بريكس كما أن اقتصادها قد تحاوز 200 مليار دولار، ولكن يبدو الأمر وكأنه مرتبط بشكل أو بآخر بملف انضمام المغرب، فالمغرب أعرب عن رغبته بالانضمام للمجموعة ثم حدث جدل بين المغرب وجنوب افريقيا، ومن المهم الإشارة إلى أن المغرب الذي يرتبط بعلاقات استراتيجية تحالفية مع الولايات المتحدة و”اسرائيل”، هو أول دولة افريقية تنضم لمبادرة الحزام والطريق الصينية كما تربطها علاقات وثيقة مع روسيا.

ربما أرادت بريكس تجنب ضم الدولتين لمنع نقل الخلافات إلى داخل المجموعة، والأمر ذاته كان سينطبق على ايران والسعودية لو لم ترعَ الصين اتفاق بكين والذي سارعت الدولتان لتنفيذه قبل أيام من قمة بريكس وخاصة تبادل السفراء وزيارة وزير الخارجية الإيراني للسعودية، وكذلك على اثيوبيا ومصر اللتين اتفقتا على حل خلافاتهما حول سد النهضة خلال مدة محددة.

إذًا بريكس تريد أن تكون بداية انطلاقتها عالميًا بلا خلافات داخلية يمكن أن تفجرها من الداخل، بل شراكة شاملة تثبت بها نهجها وصورتها.

وفيما يخص التخلص من الهيمنة الغربية، لا تهدف بريكس مرحليًا إلى الإطاحة بالدولار، ولم تتخذ قرارًا سياسيًا أو اقتصاديًا بذلك، ولا تفكر بهكذا صيغة، لكنها تسعى إلى تقديم بديل مالي اقتصادي عالمي يشكل فرصة آمنة للتحوط والتحرر من نير الدولرة كخيار أوحد قائم منذ عقود طويلة، والأساس في ذلك بالنسبة لبريكس هو إيجاد نظام تحويلات مالية جديد واعتماد التبادلات التجارية بالعملات المحلية.

عندما تدعو بريكس إلى اعتماد التبادلات التجارية بالعملات المحلية بدلاً من الدعوة إلى محاربة وإسقاط الدولار، فهي بذلك تؤمن تحوّطًا آمنًا لدول العالم وخاصة دول الجنوب العالمي يشجعها للالتحاق بمجموعة بريكس واعتماد نهجها المالي والاقتصادي والتشاركي والتنموي، ويسحب من أيدي دول الغرب الجماعي ذريعة الترهيب والتخويف من الانهيار الاقتصادي والذي سينتج عن الدخول في حرب اسقاط الدولار.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البروباغندا الإعلامية التي ساقتها وسائل إعلام كثيرة حول رغبة بريكس بإسقاط الدولار تقف خلفها الولايات المتحدة ودول الغرب الجماعي، والهدف منها كان الترهيب والتهويل من أهداف بريكس وانعكاساتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان الهدف هو الدفع بدول الجنوب العالمي للالتحاق بمحور معادٍ لبريكس.

بالمحصلة، أعلنت قمّة بريكس رسميّاً ولادة عالم متعدد الأقطاب، وليس أمام الغرب الجماعي إلّا الاستسلام للواقع الجديد، والمكابرة ستعني بالنهاية سقوط هذا الغرب الجماعي مهما حاول المناكفة والمشاغلة ومهما كانت وسائله لذلك.
ويكفي أن هذا العالم الجديد قد أُشهرت ولادته، أما أن تكون عضوًا في بريكس أو لا تكون فهذا يمكن ان يحمل الكثير من الآفاق من خارج بريكس أو من داخلها، والمفاضلة بين ذلك دقيقة وتحتاج لدراسات متأنية ودقيقة أيضًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى