صاحب القداسـة،
يأخذ الكثيرون عليّ إصراري على الكتابة العلنيّة لك، فيما أنا أرى في ذلك واجباً يفرض نفسَه بقوّة لا تُقاوَم، على كلّ إنسان ذي ضميرٍ حيّ. فكيف به إذا كان كاهناً كاثوليكياً، له مرجعية روحية عليا على مستوى العالم، يمثّلها من يُسمّى نائب السيّد المسيح على الأرض. ولسوف أظلّ أكتب، طالما بقيتَ ممثّلاً ليسوع!
وأمّا اليوم، فما يدفعني للكتابة لك من جديد، فإنّما هي خيبتي المريرة من موقفك الأخير، حيال الزلزال المروّع الذي ضرب سورية وطني، وتركيا.
أما كان منك، إزاء مثل هذه الكارثة الإنسانية، سوى الدعاء إلى الله، والعزاء للبشر؟
دعني، قبل أن أسترسل، أطرح عليك سؤالي المعتاد:
لو كان السيد المسيح مكانك، هل تُراه كان نطقَ بما نطقتَ به، وانكفأ؟
أما كان أضاف إلى كلمتَي العزاء والابتهال، كلمات غضب وإنذار، كما كان يفعل، يوم كان في فلسطين، يواجه بَطَر الأغنياء، وصَلَف المتجبّرين؟
أما كان دعا، على الأقل، إلى وقف الحصار على سورية فوراً، رغم يقينه بأن ليس هناك مَن يسمع؟
وبوصفي كاهناً كاثوليكيّاً من سورية، تخطّى التسعين من العمر، ويدرك تماماً أنه قد يَمثُل في أية لحظة أمام العزّة الإلهيّة، دعني أستحلفك بحقّ المسيح يسوع، هل تُراكَ تجهل حقّاً ما يجري على الساحة الدولية عامّة، وما جرى ويجري، وما يُراد له أن يجري في سورية خاصّة، أقلّه منذ اثنتي عشرة سنة؟ فلِمَ تُراك تتصرّف وكأنّك لستَ ممثّلاً للسيّد المسيح، وخادماً له؟
صاحب القداسـة،
حتّامَ تريد أن تتجاهل، أنّ مَن يشنّون الحروب المبرمجة، ويسنّون “القوانين” و”العقوبات” اللاقانونية، بحقّ الشعوب كلّها، ليسوا في حقيقة الأمر، كما يشهد على ذلك تاريخ الغرب الطويل والأسود، سوى قتَلَة، وكَذَبة، وسُرّاق، يحتاجون، قبل كلّ شيء، إلى مَن ينقذُهم من أنفسِهم أوّلاً، كي يسعى من ثَمّ إلى إنقاذ شعوبهم وشعوب الأرض، من شرّهم المتمادي؟
فلِمَ تُراك تصمت، وتبرّر بالتالي، صمتَ جميع المسؤولين في كنائس الغرب الكاثوليكيّة؟
وماذا ستقول للربّ يسوع، إذا ما اكتمل مخطط تدمير العالم العربي، وتشتيت شعوبه، وتفريغه من مسيحيّيه، ولا سيما في فلسطين وسورية، أرضِه ووطنه!؟
ألستَ خادماً له… يسوع إيّاه، الذي قال أحنّ الكلام في المستضعفين في الأرض، وأقساه في المتجبّرين على البشر؟ أليس أضعف الإيمان أن يُعيدَ الخادم كلام سيّده؟
صاحب القداسة،
أنت كثير السفر. فما الذي يمنعك من زيارة سورية، لترى بأمّ عينك بعض ما حوّلوا إليه، شعباً أصيلاً في إيمانه، وتسامحه، ونُبله، ومودّته، واليوم في عذابه جرّاء هذا الزلزال المدمّر؟
أما راعك ذاك التفاوت الفاضح بين استجابات “سادة” الأرض، وأُجرائهم الكثيرين، من أجل نجدة تركيا المنكوبة، وتغاضيهم الوحشيّ عن سورية، في ما هي فيه، من صَلْبٍ يتواصل منذ اثنتَي عشرة سنة، وزلزالٍ ماحق، وحصارٍ خانق؟
لكأني بتّم في كنيسة الغرب كلّه، في حاجة ماسّة إلى مَن يتلو عليكم اليوم، وكلّ يوم، قصّة السامريّ الرحيم، كما رواها الربّ يسوع في إنجيله!
وإني لأكادُ أسمعه يقول اليوم لكنائسِه كلّها، و”لسادة” الأرض على السواء:
“إلى متى أكون معكم؟ وحتّى متى أحتملكم؟”
أم تُراكم تريدون أن تسمعوا منه سَيل الويلات الرهيبة، التي صبّها على رؤوس مُنكريه، كي يوقظَهم، يومَ يئِس من إصلاحهم؟
إلاّ أني، يا صاحب القداسة، أؤثر، في ختام هذه المصارحة البنويّة، أن أذكّرَك، اليوم أيضاً، ببعض ما ارتأى الربّ يسوع، في حكمته ومحبّته، أن يقولَه في دمشق بالذات، كما تَبيّنَ لكَ وللمراجع المختصّة في روما. فمنه ما قاله عام 2004، أي قبل الحرب على سورية بسبع سنوات، ومنه ما قاله خلالها، عام 2014.
وإنّ لَفي أقواله هذه، حُكماً بالغَ القسوة بحقّ الغرب كلّه، كما أنّ فيها أيضاً وعوداً مستحيلة بشريّاً، تجاه الشرق كلّه. وفيها أخيراً وعيدٌ قاطع، بحقّ مَن شبّههم بيهوذا!
ففي 10/4/2004، قال يسوع:
« وَصيَّتي الأخيرةُ لكُم:
اِرجِعُوا كلُّ واحدٍ إلى بيتِه،
ولكنْ اِحملوا الشَّرقَ في قُلوبِكم.
مِن هنا انبثقَ نورٌ من جديدٍ، أنتم شُعاعُه،
لعالمٍ أغوَتْه المادّةُ والشّهوةُ والشّهرة،
حتّى كادَ أن يفقِدَ القيمَ.
أمّـا أنتُم،
حافِظوا على شَرقيَّتِكم.
لا تَسمَحوا أن تُسلَبَ إرادتُكم،
حريّتُكم وإيمانُكم في هذا الشّرق. »
وفي 17/4/2014، قال يسوع:
« الجراحُ التي نَزَفتْ على هذِه الأرضِ،
هي عينُها الجراحُ التي في جَسَدي،
لأنّ السَّببَ والمسبِّبَ واحدٌ.
ولكنْ كونوا على ثِقَةٍ،
بأنّ مصيرَهم مثلُ مصيرِ يهوذا. »
طوبى إذن لمَن يؤمن ويُعلن!
صاحب القداسة،
تقبل محبتي واحترامي