اخبار لبنان

تاريخ طويل من الصراع الحزبي … من يُسيطر اليوم على الساحة الزحلاوية؟

خالد عرار | كاتب وإعلامي لبناني

يعتبر وجود الأحزاب في المجتمعات مظهراً حضارياً وفكرياً، ويعكس حالة الوعي المتنامية بين المواطنين والتواقة إلى التغير للوصول الى بناء هذه المجتمعات وفق قواعد المواطنة الحرة والقائمة على الديموقراطية الحقيقية البعيدة عن الحزبيات الدينية الضيقة التي من شأنها عرقلة الوصول الى المجتمع الأرحب الذي ينجح في صناعات الحياة ونقل المجتمعات من دائرة الجهل إلى رحاب المعرفة.

انطلاقًا من هذه القاعدة، ساهمت مدينة زحلة في ثلاثينيات القرن الماضي في تأسيس (حزب العمال) ذي الطبيعة الماركسية وتحديدًا في حيي (حوش الزراعنة والمعلقة) وتأسيس حزب العمال سبق تأسيس الحزب الشيوعي.

ومع انطلاق الحزب السوري القومي الإجتماعي لم يتأخر الزحليون في الانضمام إلى صفوفه وشكّلوا حينذاك القاعدة الحزبية الأوسع في المدينة والقرى المحيطة بها، وقد تولى والد الوزير والنائب السابق إيلي ماروني مسؤولية ( ناموس منفذية ) واستمر الحزب في حينه في الانتشار حتّى أواخر الستينات لكنه بدأ بالتراجع بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة، ليصبح اليوم عدد القوميين في المدينة لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. لكن الذين مروا في مدرسة أنطون سعادة في المنطقة ما زالوا يتمتعون بتأثير شعبي لافت، ومن هنا جاء اختيار القوات اللبنانية في الدورتين النيابيتين الآخرتين شخصيات عاشت في بيئة الحزب السوري القومي الاجتماعي ليمثلوها في المجلس النيابي.

عندما تم الاعلان عن تأسيس حزب الكتائب اللبنانية، أنشأ له فرعا في مدينة زحلة بشكلٍ سريع ومباشر وحقق انتشارا واسعاً في الأوساط المسيحية، وأدت شخصيات زحلاوية دوراً بارزا فيه، أما حزب الأحرار فجاء إلى المدينة مع وصول الرئيس الراحل كميل شمعون إلى سدة الرئاسة وانتهى مع انتهاء الحقبة الشمعونية، ويقتصر حضوره اليوم في المدينة على أفراد من عائلة شمعون «السرعينية».

وفي تسعينات القرن الماضي أيضًا برزت في المدينة الحالة العونية كباقي المناطق المسيحية الأخرى في لبنان وترافق ذلك مع مغادرة العماد عون إلى فرنسا وأخذت هذه الحالة بالتوسع والانتشار وبلغت الذروة مع عودته إلى لبنان. واستطاعت الحالة العونية في مدينة زحلة بالتحالف مع التقليد السياسي في المدينة آنذاك المتمثل بالوزير الراحل الياس سكاف حصد أكثر من 75% من أصوات المسيحيين في المنطقة بالإنتخابات النيابية عام 2005.

وفي عام 2010 رأى الوزير السابق سليمان فرنجية ضرورة توسيع انتشار تيار المردة ليشمل كافة المناطق المسيحية في لبنان من ضمن رؤية سياسية فأسس فرعاً لتيار المردة في مدينة زحلة، حيث قام المسؤولون في هذا الفرع بنشاطات مكثفة وأجروا إتصالات بجميع القوى السياسية في البقاع وبالرغم من ذلك لم يستطع التمدد وذلك يعود لمواقف زعيمه العروبية المؤيدة للمقاومة.

أما القوات اللبنانية التي كانت تشكل العصب العسكري لحزب الكتائب والتي خرجت من رحمه وبعد انفصالها عنه وتأسيسها تشكيل سياسي خاص بها باتت اليوم الحزب المسيحي الأقوى في مدينة زحلة وبعض القرى المسيحية المحيطة بها، لأن خطابها السياسي الطائفي كغيرها من الأحزاب يشكل عامل جذب قوي في أوساط الشباب وفي الفئات العمرية الصغيرة.

واستطاعت القوات اللبنانية في المنطقة عبر اعتماد عوامل جذب لهؤلاء الشباب الذين يميلون إلى الشعور بوهم القوة الموروثة من سرديات الحرب الأهلية، ولتعزيز هذا الشعور تقوم القوات اللبنانية بإخضاع هؤلاء لدورات تدريبية قصيرة المدى وبمعسكرات ضيقة المساحة، واستطاعت القوات اللبنانية بتحالفها مع التقليد السياسي في المدينة المتمثل بالوزير السابق نقولا فتوش في دورة انتخابات عام 2009 وبالتحالف مع تيار المستقبل أن تحقق فوزاً واضحاً.

نشاط الأحزاب الطائفية في مدينة زحلة لم يستطع أن يلغي القوى السياسية التقليدية في المدينة، التي بدأت تفقد سيطرتها على المدينة منذ ما قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة إلا انه وبالرغم من القانون الإنتخابي الأخير الذي اعتمد النسبية المشوهة استطاع التقليد السياسي أن يحافظ على بعض قوته وهذا ما برز من خلال الـ9000 صوت تفضيلي التي حازتها عقيلة الوزير الراحل السابق ايلي سكاف وحوالى 5000 صوت تفضيلي أيضاً حازها الوزير السابق نقولا فتوش الذي بلغت لائحته الحاصل الانتخابي وفاز منها نائبان في حين أن لائحة سكاف لم تبلغ الحاصل الانتخابي.

من هنا نرى تمسّك التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بالقانون الإنتخابي الذي جرت على أساسه الإنتخابات النيابية الأخيرة والذي اعتمد النسبية المشوهة والتي لا تعكس صحة التمثيل وخروج نوابهم من جلسة النواب التي أفردت جانباً من جلستها لمناقشة مقترحات قوانين انتخابية كانت تقدمت بها كتل نيابية أخرى، لأنهم يصرون على اعتماد قانون النسبية المشوه ليحافظوا على عدد نوابهم في المجلس النيابي على حساب القوى المسيحية الأخرى.

خلاصة ،تنشط الأحزاب في مدينة زحلة مع الغياب الجزئي للتقليد السياسي فيها الذي بدأ يفقد سيطرته شيئاً فشيئاً على المدينة منذ ما قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، فشل نظرية «زحلة مقبرة الأحزاب» التي صاغها في ستينيات القرن الماضي التقليد السياسي المتمثل بعدد قليل جداً من عائلات المدينة فانقسم الزحلاويون حول النظريتين مهد الأحزاب هي مدينتهم، أم لحدها وكل من هذين الطرفين يقدم قراءته وكل طرف يدافع عن نظريته مستندًا الى تاريخ المدينة السياسي في العمل الحزبي أو فشله، إلا أن الثابت أن زحلة كان لها دور بارز في انطلاق أحزاب علمانية وكانت مدينة مفتوحة على كل محيطها القريب والبعيد ثم أتت الأحزاب الطائفية لتقفلها على ذاتها، ولكنها لم تستطع إدارة الظهر للتقليد السياسي داخل المدينة وهذا ما أظهرته الإنتخابات النيابية منذ العام 2005 حتى اليوم.

الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى