تحليلات و ابحاثمقالات مختارة

كتبت عبير بسام | الاستنزاف الفلسطيني: جولة هامة لـ”الجهاد” وفشل اسرائيلي مهين

عبير بسام | كاتبة واعلامية

لم يكن الرد الفلسطيني المستشرس والإستشهادي على عدوان الأيام الثلاثة على غزة واغتيال القائد تيسير الجعبري ومن ثم القائد خالد منصور نزهة كما العادة. بل جاء على قياس العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم. وعدوان الأيام الماضية لم يكن انتخابياً فقط، مع أنه في الواجهة كان يبدو كذلك. وكان من الممكن أن تتصاعد النتائج لتصبح كارثية على علاقة الفلسطينيين وبخاصة المقاومين منهم بـ”الأخوة العرب”، وخاصة المصريين.

إن استغلال الكيان موعد خروج القائد الشهيد  تيسير الجعبري من لقائه مع اللجنة المصرية بعيد اجتماعه بها، تطرح أسئلة كثيرة! ليس فقط حول كيف تلعب “اسرائيل” على العلاقة ما بين مصر والفلسطينيين، وكيف تأول ذلك لخدمة أهدافها، بل حول من يريد تهديم العلاقة ما بين المصريين والفلسطينيين إلى ما لا عودة.

ما حدث هو تخطيط صهيوني بإمتياز وهو يتعلق بالخوف الذي يشعر به هؤلاء من قرب نهايتهم المحتومة. خاصة عندما يطلب المصريون هدنة لثلاثة أيام منم الكيان الغاصب ويأتيهم الرد من قيادة الجهاد الاسلامي بان الوقت هو وقت الميدان والرد وليس وقت الهدنة..فهذا له مغزى كبير. فالنهاية المحتومة للكيان المؤقت لم تعد ممهورة فقط بمنعه من إدارة غاز شرق المتوسط منذ خطاب السيد حسن نصرالله في الشهر الماضي، والذي حدد فيه معادلة استثمار العدو في ثروات فلسطين وربطه باستخراج لبنان لغازه واستثماره في ثرواته.. وهو المعطل اليوم لحركة استثمار غاز شرق المتوسط من ميناء إيلات وعسقلان وحتى تخوم حقل كاريش. بل باتت النهاية ممهورة أيضاً بنوعية وكيفية المواجهة مع المقاومة الفلسطينية والجهاد أحد أذراعها الضاربة.

وبالتالي ومع عودة دوران عجلة مفاوضات الإتفاق النووي، والرفض الإيراني للتوقيع ما لم تقدم الولايات المتحدة الضمانات بعدم نقض الإتفاق عبر وضع بند جزائي يطال المنسحب، يمثل بالنسبة للصهاينة قرب خراب الهيكل، فهم يرون أنفسهم في مواجهة مع جبهة مفتوحة تمتد من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى الداخل الفلسطيني، وهذا يعني محاولات التطبيع لم تأت بأكلها في داخل فلسطين. وفيما تحاول “إسرائيل” تحاول استغلال اللحظة الدولية لدعم وجودها واقتصادها عبر إنهاء حركة الجهاد الإسلامي وقوته المقاومة قبل توقيع الإتفاق النووي. جاء الرد المقاوم على اغتيال القائد الجعبري هداماً لمخطط الدعم في دولة الكيان.

هذه اللحظة الدولية تتوافق مع أهم المخاوف والتي تتعلق بالعقيدة الدينية إلى جانب العقيدة السياسية، والتي ترتبط عضوياً بنهاية دولة “اسرائيل” في السنة الـ73 أو 74 من عمرها. هذه العقيدة متغلغلة في العقيدة اليهودية والصهيونية، والتي تحدث عنها كثيرون. هذه العقيدة تضع قادة الكيان القائم على عنصرية الدين على كف عفريت، من أجل اثبات قيمتهم الوجودية في المنطقة. إذن الأمر يتعلق بالقلق الوجودي للكيان. ومع توافق اللحظة الدولية المتعلقة بالاتفاق النووي مع قوة المقاومة في لبنان وتهديدها أمن الكيان الإقتصادي، مع قوة المقاومة في فلسطين، فإن الدولة المارقة ظنت أن الحلقة الأضعف في هذا التحالف الكوني عليها هو الشعب الفلسطيني وقدرتها على اكتشاف مقرات القيادات وبالتالي اغتيالهم. أو هذا ما تظنه!

فعندما يزور رئيس أركان العدو أفيف كوخافي حدود قطاع غزة في وقت سابق ليوم إغتيال القائد الجعبري ثلاث مرات وخلال 24 ساعة، وزار الموقع ذاته وزير الأمن بيني غانتس، والذي قال أن السلطات تستعد “لتحركات ستزيل التهديد من المنطقة”. هذا الكلام معناه أن اسرائيل ترى الخطر قادم من حركة الجهاد الإسلامي، والسبب هو العلاقة المتصلة من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى الضفة الغربية في قلب فلسطين، وهي التي تخشاها الدولة المارقة، وتشعرها بالخطر الوجودي.

التصويب الإسرائيلي على قادة المقاومة وخاصة العسكريين منهم ليس بالجديد، ولكن الجديد في الأمر هو استهداف قيادات الجهاد الإسلامي وبشكل خاص. وحتى اليوم هذا الإستهداف بات واضحاً. فمن المعروف قرب هذه القيادات من كل من إيران وسوريا، وبالذات خلال وجود رئيس حركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، في إيران. وبالطبع، الإغتيالات عملية مستمرة لكوادر القادات الفلسطينية، فمنذ اغتيال الأمين العام لحركة الجهاد الشهيد فتحي الشقاقي في العام 1995، تركزت الإغتيالات على قادة حماس، وكانت هناك تصفيات لقادة الجبهة الشعبية. ومنذ العام 2012، أعيد التركيز على قادة الفصائل المقاومة في الجهاد الإسلامي. وأولها، اغتيال القائد أحمد الجعبري نائب سرايا القسام، إلى اغتيال قائد سرايا القدس بهاء أبو العطا في أواخر العام 2019، إلى أن وصلنا إلى اغتيال القائد تيسير الجعبري، ومن ثم اغتيال الشهيد خالد منصور في رفح.

ولأن الخطر لا يكمن في القادة العسكريين فقط بالنسبة للإسرائيليين، بل الخطر كامن في كل طفل فلسطيني سيكبر وسيقاتلهم. وفي كل جولة يتركز القصف الإسرائيلي على النساء والأطفال، لأن الإسرائيلي يظن أن في اغتيالهم وفناءهم تكتب نهاية فلسطين. يجب أن نفهم القناعات الصهيونية خلف تصرفاته، لنعرف كيف نواجه في الأيام القادمة.

لبيد يخشى حرب استنزاف

عندما قرر العدو الصهيوني وقف العدوان على غزة مساء الأحد الماضي، وأعلن أنه حقق أهدافه، وقد قالها صراحة يائير لبيد” “بأن ليس هناك من حاجة لمزيد من العمليات العسكرية”،  كان يعلن لبيد يقيناً بعدم قدرته في استمرار العدوان، لأنه عندما وصلت صواريخ الجهاد الى عسقلان وتل ابيب، فهذا معناه أنها قد وصلت عقر داره الإفتراضي. وبعد أن تحدث نخالة عن حرب الإستنزاف، فعلينا ان نعرف أن هذه أهم الحروب المجربة في قتال الإسرائيلي، وهذه حرب خبرها الإسرائيلي ويعرف أنها ستكون كارثية عليه.

فبعد نكسة العام 1967، قاد الزعيم الراحل جمال عبد الناصرحرب استنزاف من العام 1968 إلى العام 1970، كادت تعيد سيناء.

وحرب الإستنزاف التي قادها القائد الراحل حافظ الأسد بعد انسحاب أنور السادات من المعركة على الجبهة المصرية، قادت بعد تسعة أشهر فقط لتحرير القنيطرة في الجولان المحتل.

وحرب الإستنزاف التي خاضتها المقاومة في لبنان حررت الجنوب اللبناني في العام 2000.

تدرك سراي القدس جيداً اهمية استنزاف العدو وتعمل لإضعافه إلى حد الإنهيار عن طريق إحداث الخسائر البشرية أو العسكرية، واستنزاف الساعات الأخيرة مساء يوم الأحد أضعف العدو وسيعيد أسيرين ضمن اتفاق الهدنة الجديد.

في النتائج قاد الجهاد جولة هامة من جولات المقاومة مرغت أنف لبيد وأهله في التراب.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى