كتاب الموقع

حتى لا يتحول لبنان الى جثة .. بانتظار البلاغ رقم واحد .

نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني .
اذا كنا أمام دولة ميتة (جثة بكل المعايير) . واذا كنا أمام شعب ميت (ركام بكل المعايير) . واذا كانت الثورة مستحيلة لأن نجوم الزبائنية , ونجوم التبعية , هم نجوم الشوارع …
واذا كانت تجربتنا مع الوجود السوري أكثر من أن تكون مريرة . واذا كانت تجربتنا مع الاحتلال الاسرائيلي أكثر من أن تكون مروعة . واذا كانت تجربتنا (الثورية) مع ياسر عرفات قد حولتنا الى لاجئين على أرضنا . ما العمل ؟!
نتصور أن الله تذكرنا بعد طول غياب . الذهب الأبيض هطل علينا من السماء , دون أن نرى سوى الدخان الأسود يتصاعد من قصر بعبدا , ومن بيت الوسط . واذا كان الدعاء الى الله لم يعد مجدياً بعدما حطمت الطائفية آخر أثر لله فينا …
أي حياة اذاً , اذا كنا قد دخلنا في العوز , كما دخلنا في الذل ؟ سلاحف بشرية وتلهث على بطونها من أجل رغيف الخبز .
هذا بلد يقتله أهله ويعشقه الآخرون . لقد قتلنا الماء , وقتلنا التراب , وقتلنا الهواء . في آخر المطاف , لا سبيل الا أن نقتل أنفسنا . مهزلة أن نتهم طرفاً دون آخر بالمسؤولية عن تخلخل (وتحلل) الدولة . على مدى ثلاثة عقود , ولوردات الطوائف (القبائل) يغزون هذه المغارة التي لم تعد ترى فيها سوى الفئران ترقص الفالس , ربما على السنفونية الجنائزية لموزارت الذي قال “لا أستحق الرثاء بعد موتي لأنني قد أكون أزعجت الفراشات , وأنا أتنزه في حديقتي” !
دون أدنى شك , نثق بالجنرال جوزف عون . البعض يعتبره “أميركياً” , وأن الأميركيين يعدّونه لدور ما في الوقت المناسب لتقوم في لبنان “جمهورية الموز” . هذا الرجل لبناني حتى العظم . يدرك أن من يحملون السلاح في وجه بربريات القرن ليسوا بالمرتزقة , ولا بالأغراب . هم أبناء حقول التبغ , ورفاق السنابل , وأبناء شقائق النعمان التي تتلألأ على سطوح منازلهم .
هو بالذات ليس رجل الأيدي الملطخة , ولا رجل الصفقات القذرة . لا بد أنه يلاحظ كيف أن جنوده بدأوا يتخوفون من أن يكون مصيرهم مثل مصير الجنود في الصومال , أو حتى في روسيا ابان عهد بوريس يلتسين حين كان الجنود في فلاديفوستوك يستخدمون قمصانهم كأحذية حتى لا يسيرون على الجليد .
اذا بقيت الأمور تتدهور هكذا , وعشاق الحقائب , وعشاق الكراسي , يتدلعون كما الراقصات في كاباريهات الدرجة الثالثة , فيما الحطام يملأ المكان , ما البديل سوى البلاغ رقم واحد ؟ أن تنزل الدبابات الى الأرض , وتقول … أنا السلطة !!
لا بد أن يكون هناك ضباط لم يصابوا بعدوى الطائفية ولا بعدوى الاستزلام ولا بعدوى الفساد . ولا بد أن يكون هناك قضاة بعيدون عن سوق النخاسة , وغيرهم وغيرهم ممن يمتلكون الأدمغة النظيفة , والضمائر النظيفة , ليكونوا في حكومة مختلطة تزيل كل أثر لسنوات القهر , ولسنوات العهر , التي حولتنا الى أشلاء على أرصفة الأمم .
نحن واثقون من أن الأكثرية الساحقة من اللبنانيين سيهللون للخلاص . حتى داخل الأحزاب , هناك مسحوقون دون أن يتمكنوا من الابتعاد لأنهم “يسترزقون” من الفتات الذي ينزل من أحذية أصحاب الصور البهية على الطرقات , وعلى الجدران , وحتى في المقابر .
آلهة أم أوثان ؟ لنعد الى نلسون مانديلا الذي رفض حمله على الأكتاف لدى اطلاقه , بعد تلك السنوات الرهيبة في الزنزانة , “لأن أكتافكم للوطن لا للآلهة ولا للأوثان” !
أيها الجنرال … ماذا تنتظر ؟ العالم كله ضاق ذرعاً بتلك الأوليغارشيا الرثة التي يفترض أن تغادر المسرح , دون أن تترك وراءها سوى العار .
نعلم أن الوضع الاقتصادي , كما الوضع المالي , في ذروة التعقيد , لا بل في ذروة التردي . على الأقل , لا تعود هناك تك الوجوه التي تعيد الى الذاكرة صورة جان ـ بيديل بوكاسا وهو يأكل أطفال أفريقيا الوسطى . الآن اكتشفنا , وان بعد فوات الأوان , أن الكثيرين من أولياء أمرنا , في الدنيا وفي الآخرة , ليسوا فقط أكلة لحوم البشر , وانما أيضاً … أكلة عظام البشر .
فرانز كافكا , بسوداويته الرائعة , كتب “أخشى أن تنقل جثتي بصندوق القمامة , لا بالتابوت , الى المقبرة” . لم يقل ذلك اعتباطاً …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى