الدور الإماراتي في لبنان
مركز الإتحاد للأبحاث والتطوير
محمد ابراهيم | كاتب وباحث
بعد التفكك العملي لمجلس التعاون الخليجي والذي كانت السعودية هي العمود الفقري لكافة سياساته لكونها الدولة الأقوى خليجيا والمعتمد عليها أمريكيا، وبعد التناقضات التي حصلت بين الدول الخليجية وخاصة عمان وقطر ثم بينها وبين الإمارات بسبب اليمن خاصة ودخول العامل الليبي والتركي على توجهات السياسة الخليجية بدأنا نرى أن كل دولة من دول مجلس التعاون تخط سياسة منفردة لها في المنطقة. بناءً عليه يمكن النظر إلى السياسات التي تعتمدها الإمارات في الساحة اللبنانية، كما سائر الساحات، بشكل منفصل.
الدوافع والمصالح الإماراتية:
إن أهم دافع لدخول الإمارات على الساحة اللبنانية هو الدافع الإقتصادي، فالإقتصاد الإماراتي الذي يعتمد بنسبة الخمسين بالمئة على الإستثمار في قطاع الموانىء البحرية الإستراتيجية في العالم عبر شركة موانىء دبي العالمية التي تعد المحرك الأساسي للسياسة الإماراتية الخارجية التي تستثمر في أكثر من 70 ميناء دولي في أكثر من 40 دولة حول العالم وتدخل في منافسة قوية مع دول كبرى وإقليمية في الإستحواذ على إدارة الموانىء الإستراتيجية والمهمة، ومنها مرفأ بيروت الذي خسرت عقد تطويره وإدارته منذ عام 1998 ، ففي طريقها لحجز مقعد والمنافسة على طريق النقل البحري العالمي، وبالأخص على طريق الحرير وبعدما بدأت المنافسة بقوة مع بناء الصين ميناء جودار في باكستان واستحواذه على نسبة مهمة من عمليات ميناء جبل علي، ثم خسارتها استثمار وإدارة مرفأ دورالية في جيبوتي أعادت شركة موانىء دبي العالمية التركيز على الساحل الشرقي للمتوسط والموانىء الأساسية فيه بيروت وحيفا، وذلك في محاولة للتموضع على طريق الحرير الصيني فالمسافة البرية بين ميناء جبل علي ومينائي حيفا وبيروت حوالي 2600 كلم تقطع بثلاثة أيام بينما النقل عبر البحر الأحمر وقناة السويس بحاجة إلى سبعة أيام يضاف إليها رسوم العبور في قناة السويس.
وبالتالي فإن دخول الإمارات على الساحة اللبنانية هو حاجة إقتصادية ماسة لها وبحاجة إلى تمهيد سياسي لتسهيل الأمر على وجودها الإقتصادي، فالعقبات التي تواجه الإمارات في لبنان هو وجود حزب الله كقوة فاعلة على الساحة اللبنانية، وطرحه شعارا إقتصاديا “التوجه شرقا” أي فتح المجال الإستثماري للصين في لبنان على كافة الصعد، تلك الاستثمارات التي تتجاوز الميناء إلى البنية التحتية بكافة مستوياتها، وبنظام استثماري لا يكلف الخزينة اللبنانية، وهذا ما يضع عقبات قوية أمام الاستثمارات الإماراتية في لبنان.
الملفت في سياسة شركة موانىء دبي العالمية أنها تعمد إلى إجراء عقود وإستثمارات مع العديد من الدول لإستثمار موانئها لتحييدها عن العمل بكافة طاقتها وجيبوتي مثلا، لذلك مع تفجير مرفأ بيروت جاء الهجوم الإعلامي الكبير والضخم تجاه حزب الله ومحاولة تحميله المسؤولية عن الإنفجار، وإختراع أخبار كاذبة وتوجيه أصابع الاتهام نحوه وبقوة، في محاولة لتحسين الظروف لناحية إمكانية الاستحواذ على المرفأ، وتحويله إلى مصلحة إماراتية تجارية واستراتيجية.
إن إزاحة القوة الفاعلة على الساحة اللبنانية المتمثلة بحزب الله هدف اساسي للسياسة الإماراتية المرتبطة بمحور التطبيع، فمن ناحية تسعى الإمارات لتمدد إقتصادي يشمل لبنان والكيان الصهيوني وهذا التمدد يواجه عقدة قوية وهي وجود المقاومة في لبنان ودعمها للمقاومة الفلسطينية، وحل هذه العقدة ضروري لهذا التمدد، فالخسائر الاقتصادية التي تواجهها في منطقة بحر العرب ومضيق باب المندب ولاحقا التي ستواجهها في منطقة البحر الأحمر نتيجة الإستثمارات السعودية لا بد من تعويضها بإستثمارات بديلة في المتوسط، فهي تسابق الزمن للإستثمار في موانئ فلسطين المحتلة، مصر، وليبيا، واليونان، وتركيا.
إذا قرأنا خريطة تمدد الاستثمارات الإماراتية في شرق المتوسط نراها أنها استحوذت على عقود في كافة الدول بإستثناء لبنان وسوريا، لذا فإن الإمارات تعمل وبقوة على الساحة اللبنانية عن طريق إستغلال العلاقات مع الشخصيات والقوى السياسية لبناء شبكة تساعدها فيما بعد على تنفيذ مشاريعها الإستثمارية.
في مؤتمر الاستثمار الإماراتي اللبناني 10/2019 صرح وزير الاقتصاد سلطان بن سعيد المنصوري: “نحن نتطلّع إلى زيادة عدد المشاريع والأنشطة التجارية بين دولة الإمارات ولبنان خلال المرحلة المقبلة. ولتحقيق هذا الأمر، نحن بحاجة إلى مواصلة الحوار والتعاون لضمان دور أكبر للشركات الاستثمارية والقطاع الخاص في البلدين. ولعلّ هذا هو الهدف الرئيسي من هذا المؤتمر المتميّز. فمِن خلال جلساته الحوارية، سنبحث سُبل توسيع نطاق الاستثمارات وتطوير بيئة الاستثمار بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وسنركّز على استكشاف الفرَص في مجالات الزراعة والمنتجات الغذائية، كما سنستعرض آفاق التعاون في قطاعات البنية التحتية، والنفط والغاز والطاقة المتجددة، والقطاع المصرفي والمالي”.
سياسياً:
إن الإنغماس السعودي في حرب اليمن جعل تركيزها الأول ينصب على المواجهة العسكرية المباشرة، وبنفس السياسة المعتمدة من الإمارات التي دفعتها لتسيطر على الموانئ اليمنية مما أوجد نقاط خلافية بين السعودية والإمارات، وبعدما تراجع الدور السعودي في لبنان نتيجة الخسائر السياسية لأتباعها في لبنان جعل من الإمارات تفكر في وراثة الدور السعودي في لبنان لتحقيق مصالحها وإظهار نفسها كلاعب إقليمي يستفيد اقتصاديا ويقوي بنيته الجيوسياسية بعد دخولها كرأس حربة في تنفيذ مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ربط الاقتصاد اللبناني بالاستثمارات الإماراتية الكبيرة يجعلها قوة ضاغطة في تهيئة جو التطبيع وترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ الفلسطينية مقابل الحوافز الإقتصادية الضخمة التي تقدم للبنان. وكذلك فإن فتح المجال للإستثمارات الإمارتية في لبنان يفتح الباب تلقائيا لدخوله في عملية إعمار سوريا، وإجراء عملية تموضع سياسي جديد مع الدولة السورية.
إعلاميا:
تدرك الإمارات أن الواقع اللبناني بوجود حزب الله كقوة فاعلة على كافة الأصعدة بحاجة إلى ترتيب الجو المؤاتي لها كي تستطيع تمرير مشاريعها التي تحضر لها وإن حصولها في لبنان على ورقة رابحة لن تمر إلا بتحويل أو تغيير الواقع الذي أنتجه وجود حزب الله لذلك فهي بدأت في تشكيل جيش من الإعلاميين والفنانيين والصحفيين اللبنانيين مع إغراءات مالية كبيرة ومنحتهم الإقامة على أراضيها للعمل على مهاجمة حزب الله ومحاولة تسقيطه في الإعلام وأمام الرأي العام اللبناني والدولي ومع مجموعة كبيرة من هؤلاء الذين بدأ توظيفهم في القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الإجتماعي، بالإضافة الى مجموعة من الفنانين ومقدمي البرامج.
بالإضافة إلى أن عدداً من القنوات اللبنانية في الفترة الأخيرة نقلت بثها من قمر صناعي إلى آخر وعمدت إلى تشجيع اللبنانيين لتوجيه صحونهم اللاقطة نحو القمر الجديد وهذا القمر لا يحوي العديد من القنوات التي تعبر عن التوجه السياسي لحزب الله وعلى مدى السنتين الماضيتين شنت معظم هذه القنوات حملة ركزت على حزب الله وهذه الحملة لها تمويل لا بأس به من قبل الحكومة الإماراتية.
التوجه الأمني/العسكري:
ذهبت الإمارات الى التركيز على الشخصيات السياسية في الساحة السنية التي حدث شرخ بينها وبين سعد الحريري نتيجة الخلافات السياسية، وعمدت إلى دعمها وتمويلها لتشكيل حالة موازية بوجه الحريري، وبتشجيع الرأي ضمن الساحة السنية الذي يقول إن سعد الحريري ضعيف في مواجهة حزب الله، فقد عمدت الإمارات الى تمويل شخصيات مثل أشرف ريفي ونهاد المشنوق لتؤسس لتشكيلات ميليشياوية وخاصة في مناطق الشمال اللبناني تستخدم لإثارة الفوضى في الوقت المناسب، إضافة إلى دعم مالي لحزب القوات اللبنانية.
على الصعيد الرسمي تساهم الإمارات في تقديم مساعدات للقوى الأمنية والعسكرية اللبنانية وقد شاركت الإمارات في مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي عقد افتراضيا خلال هذه السنة بمشاركة 20 دولة.
أثار وتداعيات:
إن دخول الإمارات كلاعب إضافي على الساحة اللبنانية يؤدي إلى مزيد من الفوضى السياسية بين اللبنانيين، فدخول الإمارات بشراهة على الساحة بخلفيات مختلفة عن اللاعبين الموجودين، مع بناء حلقة من قوى وشخصيات تابعة لها لتنفيذ مخططاتها تزيد من التعقيد داخل الدولة اللبنانية، وتزيد من الخلل السياسي والإقتصادي وتزيد من الضغط الواقع على الدولة ككل، فإذا ذهبنا للحديث عن الإستثمارات الأجنبية فقد أصبحت قادرة على العرقلة إذا لم يكن لديها حصة، فبعد سنة من تفجير مرفأ بيروت نجد أنه ليس هناك من أي تحرك فعلي بالبدأ بعملية إعادة إعماره، وهذا ينطبق على باقي القطاعات الأساسية في لبنان، ومنها القطاع المستجد أي قطاع النفط والغاز وموضوع إستخراجهما، فإن ذلك مرتبط بالعملية السياسية الإقليمية وتنسيق القوى الدولية والإقليمية التي تريد مقايضة السماح بإستخراج النفط والغاز مقابل ثمن سياسي أقله التنازل عن حصة من المياه الإقليمية اللبنانية لصالح العدو الصهيوني.
إن الدور الإماراتي على الساحة اللبنانية أصبح متشعبا ويعتمد على توزيع أدوار، وتشكيل جماعات ضغط داخلية وخارجية تعمل على كافة الصعد سياسية وإقتصاديه وشعبية فهي مولت العديد من المشاريع “الإنمائية” والعديد من الجمعيات منها جمعية المقاصد الخيرية، وبعد تفجير مرفأ بيروت أرسلت مساهمة مالية كبيره للصليب الأحمر اللبناني ومولت العديد من الجمعيات غير الحكومية تحت عنوان المساهمة في معالجة الأضرار، وبالتالي فإن سياسة الإمارات في لبنان تختصر بأنها تحمل طابع الأطماع الإستثمارية والسياسية، وتعمل بفضل القدرة المالية لديها على محاربة من تعتبرهم يشكلون خطرا على سياستها، وتمول سياسيين وإعلاميين وفنانيين يشكلون جيشا خاصا بها ويتطور ويتفاعل حسب الوضع الإقليمي والدولي.